ذلك المؤمن فقال : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) وعد لهم الجنات بالإيمان وعمل الصالحات ، فيقال : إن الوعد المطلق هو لمن آمن وعمل الصالحات ، فأما من آمن ولم يعمل من الصالحات شيئا ، لا نقول بأن له ذلك الوعد المطلق ، ولكن له الوعد الذي ذكرنا.
وفي الآية دلالة أن قد يعمل المؤمن غير الصالحات وهو مؤمن ؛ لأنه لو لم يكن منه غير عمل الصالحات لم يكن لشرط العمل الصالح له معنى ، دل أنه يكون من المؤمن غير العمل الصالح ، وذلك على المعتزلة والخوارج.
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) ، اختلف في العذاب الأدنى :
قال بعضهم : هو القتل يوم بدر.
ومنهم من يقول : هو الجوع في السنين التي كانت لهم فيها ، والضيق والشدة.
ومنهم من يقول : هو المصائب التي تصيبهم.
وأمثال ذلك كثير ، لكن ذلك العذاب ليس هو عذاب الكفر ؛ لأن عذاب الكفر يكون في الآخرة أبدا دائما لا زوال ولا انقطاع ، فأما عذاب الدنيا لهم عذاب عنادهم وما يكون منهم من الجنايات في حال كفرهم يعذبون في الدنيا ؛ ليذكرهم ذلك العذاب في الآخرة العذاب الدائم ليمنعهم عما به يعذبون في الدنيا عن عذاب الآخرة ، وكذلك ما أعطى لهم من اللذات والنعيم في الدنيا ـ وإن كان منقطعا ـ ليذكرهم ذلك النعيم وتلك اللذات لذات الآخرة ونعمها الدائمة ؛ ولذلك رغب الله خلقه إلى طلب الآخرة ، وأخبر أن لهم فيها من اللذات كذا في غير آي من القرآن ؛ حيث قال : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ...) الآية [الزخرف : ٧١] ، ونحوه كثير.
والعذاب الأكبر هو عذاب الآخرة ، وهو عذاب الكفر والتكذيب.
وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لكي يلزمهم حجة الرجوع عما هم فيه من التكذيب ؛ لئلا يقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢] والله أعلم.
وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) ، قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ) أي : [هل] أحد أظلم ممن ذكر (بِآياتِ رَبِّهِ) ووقع له المعرفة والعلم أنها آيات ربه ، (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) بعد ما عرفها ، وعلم بها ـ ليس أحد أظلم من ذلك.
التذكير بآياته : ما ذكرنا أنهم يذكرون لتقع لهم بأنها آياته ، ثم يحتمل آيات وحدانيته وآيات الرسالة ، أو آيات البعث ، أو آيات القرآن ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) جرمهم هاهنا جرم كفر ، ينتقم منهم انتقام الكفر