المنافقون.
وجائز أن يكون المنافقون هم الذين أضمروا الخلاف له ، وأظهروا الوفاق ، على إبانة الحق لهم وظهوره ، (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : هم الذين كانوا مرتابين في ذلك ، لم يبن لهم ذلك ، ولم ينجل قالوا هذا :
(ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) :
قال عامة أهل التأويل (١) : الذي وعد لهم فتوح البلدان ، قالوا لما أحاط بهم ـ أعني : بالمؤمنين ـ الكفار قال ذلك المنافقون.
وقوله : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ).
قيل (٢) : (يَثْرِبَ) : المدينة ، ويقال : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) : يأهل المدينة ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من قال للمدينة : يثرب ، فليستغفر الله ثلاثا ؛ هي طابة هي طابة» (٣)
ثم قال بعضهم : إن قوله : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) إنما قاله أهل النفاق لبعضهم : (لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا).
ثم يحتمل قوله (لا مُقامَ لَكُمْ) وجهين :
أحدهما : ما قالوا : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) من الفتح والنصر (إِلَّا غُرُوراً).
والثاني : (لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) ؛ لما لم يقع عندهم أنهم يصلون إلى ما كانوا يطمعون ويأملون ؛ لأنهم كانوا يخرجون رغبة في الأموال وطمعا فيها ، وهو ما وصفهم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ...) الآية [الحج : ١١].
وجائز أن يكون هذا القول من المؤمنين لأهل النفاق ؛ فإن كان من المؤمنين لأولئك فالوجه فيه : أنهم أرادوا أن يطردوهم ؛ لفشلهم ولجبنهم ؛ لئلا يهزموا جنود المؤمنين بانهزامهم ؛ لأنهم قوم همتهم الانهزام فإذا انهزموا هم انهزم غيرهم ؛ فالمعنى : إذا كان ذلك من المؤمنين لهم غير المعنى إذا كان [من] أهل النفاق بعضهم لبعض ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٣٧٧) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٥٨).
(٢) قاله السدي ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٥٩) ، وورد في هذا المعنى حديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون : يثرب وهي المدينة ، تنفي الناس كما ينفى الكير خبث الحديد».
أخرجه البخاري (٤ / ٥٧١) ، كتاب فضائل المدينة باب فضل المدينة (١٨٧١) ، ومسلم (٢ / ١٠٠٦) ، كتاب الحج باب المدينة تنفي شرارها (٤٨٨ / ١٣٨٢).
(٣) أخرجه أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٥٩).