(وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً).
أي : ما زادهم إلا إيمانا ما رأوا وعاينوا ، فيما وعد وأخبر ، إلا إيمانا وتصديقا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في وعده وخبره.
وقال قائلون : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد وعد لهم وأخبر : أن يوم الخندق (١) تكون من الأحزاب كذا والجنود كذا ، وإنكم ستلقون يومئذ كذا ، فلما رأوا ذلك وعاينوه قالوا عند ذلك : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً) وتصديقا لرسول الله ؛ لأن ذلك آية وحجة لرسالته ؛ فهو يزيدهم تصديقا له.
وقوله : (وَتَسْلِيماً) ، أي : تسليما لأمر الله وتفويضا له.
وقيل : وما زادهم بما أصابهم يوم الخندق إلا إيمانا وتصديقا إلى تصديقهم الأول ، ويقينا إلى يقينهم الأوّل ، وتسليما لأمر الله ؛ لأن ذلك الأمر كان قضي عليهم أن يصيبهم ، فسلموا لله أمره ؛ فصبروا عليه ، وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ).
قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يخرج على وجهين :
أحدهما : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ الذين هم عندكم مؤمنون ـ (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ، ورجال لم يصدقوا وهم المنافقون ؛ لأن ظاهر هذا الكلام يدل على أن من المؤمنين الذين هم في الظاهر عندهم مؤمنون لم يصدقوا ، فأما من كان في الحقيقة مؤمنا فقد صدق عهده.
والثاني : ذكر (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ؛ خصّ بعض المؤمنين بصدق ما عاهدوا وهم الذين خرجوا لذلك : لم يكن بهم عذر فوفوا ذلك العهد ؛ وتخلف بعض من المؤمنين ؛ للعذر ؛ فلم يتهيأ لهم وفاء ذلك العهد لهم وصدقه ؛ وكذلك يخرج قوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) ، أي : وفي بعهده. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ).
بالوفاء أن يرتفع عنه العذر ؛ فبقي ذلك ، والله أعلم.
ثم قوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) : وفاءه.
وقال بعضهم : (مَنْ قَضى نَحْبَهُ) ، أي : هلك عليه ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) ذلك ، أي على شرف الهلاك.
وقوله : (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
__________________
(١) ينظر : سبل الهدى والرشاد (٤ / ٥١٢ ، ٥١٣).