هذا يقوي التأويل الذي ذكرنا : أخبر في قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) : أن الذين خلفهم العذر فلم يوفوا عهده ، والذين لا عذر بهم ، فخرجوا فوفوا كلهم لم يبدلوا عهد الله تبديلا ؛ لأنه إنما خلفهم العذر ؛ فلم يكن في ذلك تبديل.
وقوله : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) على ما وفوا ، (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) :
هذا يدل أن من المنافقين من قد يتوب ؛ حيث قال : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ، ويعذب الذي مات على نفاقه.
(إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ، أي : لم يزل غفورا رحيما ، حيث رحمهم ، ولم يأخذهم وقت ارتكابهم الجرم ، ولكن أمهلهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) ، أي : ردّ كفار مكة يوم الخندق ، (لَمْ يَنالُوا خَيْراً).
قال بعضهم : أي : غنيمة ، أي : ردهم بغيظهم ، لم يصيبوا شيئا من الغنيمة ؛ فإن كان المراد من الخير : الغنيمة ؛ فجائز أن يستدل على تملك أهل الحرب أموال المسلمين إذا أحرزوها ، حيث قال : (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) ، أي : مالا.
وجائز أن يكون قوله : (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) ، أي : سرورا بما كانوا يأملون ويطمعون هلاك المؤمنين على أيديهم ، لما أحاطوا بهم وضيقوا عليهم الأمر ؛ حتى احتاجوا إلى الخندق ؛ فكانوا في أيديهم. يقول : إنهم لم ينالوا ذلك السرور الذي كانوا يأملونه ويرجونه ، والله أعلم.
وقوله : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ).
حيث بعث عليهم الريح وسلط عليهم الملائكة ؛ حتى هزموهم حتى كفوا القتال والحرب معهم.
(وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً).
أي : كان الله لم يزل قويّا عزيزا ؛ لأنه قوي بذاته عزيز بذاته لا يلحقه ذل ، وإن لحق أولياءه الذل والضعف ، ليس كملوك الأرض إذا ذهب أصحابهم أو دخل فيهم ذل وضعف ؛ ذلّ ملكهم ؛ لأنه عزيز بجنده وحشمه ، فأمّا الله ـ سبحانه ـ [فهو] قوي بذاته ، عزيز بذاته ، لا يلحقه ذل ولا ضعف بذهاب أوليائه.
وقال بعضهم في قوله : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) : كان رجال فاتهم يوم بدر ؛ فقالوا : لئن حضرنا قتالا ، لنفعلن ولنفعلن ، فلما كان يوم الأحزاب قاتلوا ؛ فذلك قوله :