(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) ، أي : مات على ما عاهد الله عليه ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) : يوما آخر يكون فيه قتال ؛ فيقاتل على ما عاهد الله عليه ، (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
وفي حرف أبي : ومنهم من بدل ؛ فيرجع ذلك إلى المنافقين الذين ذكرنا بدءا.
وقال القتبي (١) قوله : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) ، أي : خالية ، وأصل العورة : ما ذهب عنه الستر والحفظ ؛ فكأن الرجال ستر وحفظ للبيوت ؛ فإذا ذهبوا ، أعورت البيوت ؛ تقول العرب : أعور المنزل ، أي : ذهب ستره ، أو سقط جداره ، وأعور الفارس : إذا بدا فيه موضع خلل للضرب بالسيف.
يقول الله ـ تعالى ـ (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) ؛ لأن الله حافظها ، ولكن يريدون الفرار.
وقوله : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) ، أي : من جوانبها ، (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) ، أي : الكفر ، (لَآتَوْها) ، أي : أعطوها من أرادها ، (وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) ، أي : بالمدينة. ومن قرأها : (لَآتَوْها) ـ بغير مدّ ـ أراد : لصاروا إليها.
وقال أبو عوسجة : قولهم : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) : من ناحية العدو ، والعورة : الموضع الذي يخاف منه.
وقوله : (أَقْطارِها) ، أي : من نواحيها ، الواحد : قطر ، (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) ، أي : عرضت عليهم ، وهو الكفر.
وقال القتبي : (٢) (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) ، يقول : آذوكم بالكلام ، يقال : خطيب مشلق (٣) وسلاق. وفيه لغة أخرى : صلقوكم بالصاد : وهو الضرب.
أبو عوسجة يقول قريبا منه : (سَلَقُوكُمْ) ، أي : كلموكم وضربوكم (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) ، أي : طوال ، والسلق : الضرب ، والخاطب : السلاق والمسلاق من هذا ، وهو طول اللسان والجرأة على الكلام.
وقوله : (لا مُقامَ لَكُمْ) بنصب الميم لا يكون إلا من القيام ، و (لا مُقامَ لَكُمْ) برفع الميم يكون من الإقامة ، وهو قول أبي عوسجة.
وأبو عبيدة (٤) يقول : (لا مُقامَ لَكُمْ) ، أي : ليس لكم مقام تقومون فيه ، و (لا مُقامَ) ، أي : لا إقامة لكم.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٨).
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٩).
(٣) في أ : سيلق.
(٤) ينظر : مجاز القرآن (٢ / ١٣٤).