وقال أبو عوسجة : المقامة : المجلس ، ومقامات ـ جمع المقام ـ : موضع القدمين ، والمقام : الموضع الذي يقيم فيه الرجل.
وقال : (الْمُعَوِّقِينَ) ، قال : المتعوق ، المحتبس ، والمعوق : الذي يعوق غيره ، أي : يحبس.
وقوله : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) ، أي : حراصا على ما نالكم من الشر ، الواحد : شحيح ، يقال : شح يشح شحّا ؛ فهو شحيح ، أي : حرص يحرص حرصا ؛ فهو حريص.
وقال غيره : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) ، أي : بخلاء ، لا ينفقون عليكم أو في سبيل الله.
وقال بعضهم : (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) ؛ من شدة الفرق ؛ فهم هؤلاء المعوقون : اليهود أو المنافقون ، (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) : والأحزاب : هم الفرق أعداء رسول الله وأصحابه ، (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) ، يقول : خارجون في الأعراب من الرهبة ، (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) : يسألون عن خبر المؤمنين ساعة بعد ساعة ؛ جزعا ورهبة ، يقول الله للمؤمنين : (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ) أي : معكم عند القتال هؤلاء الذين تقدم ذكرهم (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) رميا بالحجارة ؛ من ضعفهم وفرقهم ، أو ما ذكرنا ؛ دفعا عن أنفسهم ، وأمّا غيره فلا.
وقوله : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ).
ذكر في القصة : أن اليهود : يهود بني قريظة ظاهروا أبا سفيان وأصحابه على رسول الله وعلى المؤمنين ، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه ، فلما انهزم المشركون تحصن بنو قريظة في حصونهم ، ورجع النبي إلى المدينة ، فجاءه جبريل ، فقال له : «يا محمد ، والله ما وضع أهل السماء أسلحتهم ، وقد وضعتم أنتم أسلحتكم ، اخرج إلى بني قريظة ؛ فقال له النبي : «فكيف أصنع بهم وهم في حصنهم؟» قال : اخرج إليهم ؛ فو الله لأدقنهم بالخيل والرجال كما تدق البيضة على الصفا ، ولأخرجنهم من حصنهم ؛ فنادى رسول [الله] في الناس ، وأمر بالخروج إلى بني قريظة ؛ فخرجوا فحاصروهم كذا كذا ليلة ؛ حتى صالحهم على حكم سعد بن معاذ ؛ فنزلوا على حكمه ؛ فحكم سعد ؛ أن يقتل مقاتلتهم ، ويسبى ذراريهم ونساؤهم ، فقيل : إن رسول الله قال يومئذ : «يا سعد ، لقد حكمت بحكم الله» ؛ فأخرجت المقاتلة فقتلوا ، وسبوا ذراريهم ، وقسم أرضهم بين المهاجرين ؛ فقال قومه والأنصار : آثرت المهاجرين بالعقار دوننا ، فقال : «إنكم ذوو عقار وإن القوم لا عقار لهم» (١) ، أو كلام نحو هذا ، فذلك قوله : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، يعني :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٨٤٤٣) ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة مرسلا كما في الدر المنثور (٥ / ٣٦٨).