الذي باليمامة هو يعلمك ، فقال النبي : «الرحمن هو الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما من عنده يأتيني ذلك» ، فقالوا : أيزعم أن الله واحد وهو يقول : الله يعلمني ، الرحمن يعلمني ، ألستم تعلمون أن هذين إلهان ، أو كلام نحو هذا (١).
وجائز أن يكون قولهم : (وَمَا الرَّحْمنُ) لما لا يعرفون الرحمن وعرفوا الله فأنكروا ذلك لما لم يكونوا يسمعون ذلك ، فعرفهم بقوله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ...) الآية [الإسراء : ١١٠].
أو أن يكونوا يعرفون كل معبود : إلها ؛ وكذلك يسمون الأصنام التي عبدوها : آلهة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعاهم إلى عبادة الرحمن ؛ فظنوا أنه غيره ، فقالوا : فلئن جاز أن يعبد غير الله ، فنحن نعبد الأصنام فلم تمنعنا عن ذلك؟! فأخبر : [أن] الرحمن والإله واحد ليس هو غير ؛ حيث قال : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ...) إلى آخر ما ذكر ، يقول الله : محال أن يكون الرحمن غير الإله ، بل الرحمن هو الذي جعل في السماء بروجا ، وقد كانوا يعلمون أن الذي جعل في السماء البروج وهي النجوم ، وجعل فيها السراج وهي الشمس والقمر ـ هو الله ، فأخبر أن الرحمن هو ذلك لا غير.
وفي قول بعضهم : إن قوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) الآية من المكتوم ، وفي الآية دلالة أنه ليس من المكتوم ، ولكنه مما يعلم ويفسر ؛ حيث قال : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) ، ولو كان مما لا يعلم لكان لا يأمره أن يسأل به خبيرا ، أو إن أمره بالسؤال لكان لا يحتمل ألّا يخبره ؛ دل ذلك أنه ليس من المكتوم ، ولكنه مما يعلم ، لكن لا يعلمه إلا الخبير ، وهو العالم.
ثم يحتمل : الله أو جبريل أو من يعلمه ، والله أعلم.
وقوله : (فَسْئَلْ بِهِ) : قال بعضهم : بالله.
وقال بعضهم : بالذي سبق ذكره (٢) من قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).
وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) قد ذكرناه.
(أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) بالياء والتاء جميعا.
وقوله تعالى : (وَزادَهُمْ نُفُوراً) أي : زادهم دعاؤه إلى عبادة الرحمن نفورا عن رسول الله.
وقال بعضهم : في قوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) يقول : ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك لا شك فيه ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله عطاء بنحوه ، أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٣٨).
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ٥٥٧ ، ٥٥٨).