لكن هذا بعيد ، وأصله : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي : لا تقلن قولا يعرف به الرغبة في الرجال ، والميل إلى الدنيا ، والركون فيها (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) : ما يكون فيه تغيير المنكر والأمر بالمعروف ، والله أعلم.
وقوله : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ).
قد قرئ بكسر القاف وفتحها ، فمن قرأ بالكسر فهو من الوقار ، ومن قرأ بالفتح : (وَقَرْنَ) جعله من القرار والسكون فيها.
وقوله : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى).
قال بعضهم : تبرج الجاهلية الأولى قبل أن يبعث رسول الله ؛ كان يخرج نساؤهم متبرجات بزينة مظهرات ، فأمر الله أزواج رسوله بالستر والحجاب عليهن ، وإدناء الجلباب عليهن ، وهو ما قال : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) [الأحزاب : ٥٩].
وقال بعضهم (١) : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) قال : الجاهلية التي ولد فيها إبراهيم ، أعطوا أموالا كثيرة ، وكن يتبرجن في ذلك الزمان تبرجا شديدا ؛ فأمر أزواجه بالعفة والترك لذلك ، فلسنا ندري ما أراد بالجاهلية ، ومن أراد بذلك : الذين كانوا بقرب خروج رسول الله وبعثه ، أو الذين كانوا من قبل في الأمم السالفة؟
والتبرج كأنه هو الخروج بالزينة على إظهار لها ؛ أعني : إظهار الزينة.
قال القتبي (٢) : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي : لا تلنّ به.
وقوله : (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي : صحيحا.
وقوله : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) بالكسر من الوقار ، ويقال : وقر في منزله يقر وقورا ، و (وَقَرْنَ) بفتح القاف من القرار ، وكأنه من : قر يقر أراد أقررن في بيوتكن ، فحذف الراء الأولى وحول فتحها إلى القاف ، كما يقال : ظلن في موضع كذا ، من اظللن ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة : ٦٥] ولم نسمع قرّ يقرّ إلا في موضع قرة العين ، فأمّا في الاستقرار فإنما هو قرّ يقرّ.
وقوله : (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ) يحتمل أن يكون الأمر لهن بإيتاء الزكاة من حليهن ؛ لأنهن لا يملكن شيئا سوى ذلك ما يجب في مثله الزكاة ؛ ألا ترى أنه وعد لهنّ التمتيع والسراح الجميل إذا أردن الحياة الدنيا وزينتها ، فلو كان عندهن شيء من فضول الأموال كن ينفقن ويتمتعن ، وإن لم يكن عند رسول الله ما يمتعهن ولا يطلبن ذلك من
__________________
(١) قاله عكرمة ، أخرجه ابن سعد عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٧٥).
(٢) انظر تفسير غريب القرآن (٣٥٠).