إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٤٠)
وقوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) قال جعفر بن حرب المعتزلي : دلت هذه الآية على أن الكفر مما لم يقضه الله ؛ لأنه لو كان مما قضاه الله لكان لا يكون لهم الخيرة والتخيير ، فإذا قال : إنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة ، دل أنه مما لم يقضه الله ، لكن يقول : إن القضاء ـ هاهنا ـ ليس هو قضاء الخلق ؛ على ما فهم هو ، ولكن القضاء ـ هاهنا ـ الأمر أو الحكم ؛ كقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] أي : أمر ربّك وأوجب ألا تعبدوا إلا إياه.
أو أن يكون الحكم ؛ كقوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) [النساء : ٦٥] أي : مما حكمت ؛ فإذا كان القضاء يحتمل الأمر والحكم ؛ على ما ذكرنا ، فيكون كأنه قال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) ، أي : إذا أمر الله ورسوله أمرا ، وإذا حكم الله ورسوله أمرا أن يكون له الخيرة من أمرهم ، وهكذا يكون فيما أمر الله ورسوله بأمر أو حكم يحكم ألا يكون لأحد التخيير في ذلك.
ومما يدل ـ أيضا ـ على أن القضاء أيضا ـ هاهنا ـ ليس هو القضاء الذي فهم المعتزلة ؛ حيث أضاف ذلك إلى رسوله ـ أيضا ـ حيث قال : (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) ، ولا شك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان لا يملك القضاء الذي هو قضاء خلق ؛ دل أن المعتزلة أخطأت وغلطت في فهم ذلك ، وقصرت عقولهم عن درك ذلك ، وأن التأويل ما ذكرنا نحن.
ثم أجمع أهل التأويل على أن قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) إنما نزل في زينب بنت جحش ؛ يذكرون أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان أعتق زيد بن حارثة وتبناه ، وكان مولى له ، فخطب له زينب بنت جحش ، فقالت زينب : إني لا أرضاه لنفسي وأنا من أتم نساء قريش ـ وكانت ابنة عمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أميمة بنت عبد المطلب ـ فقال لها النبي صلىاللهعليهوسلم : «قد رضيته لك ، فزوجي نفسك منه» فأبت ذلك ؛ فنزل قوله فيها : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(١) ، لكن إذا كان على ما يذكرون من الخطبة لها ؛ فلا يحتمل أن يجبرها على
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٨٥١٣ ، ٢٨٥١٦) عن ابن عباس.