بنت جحش ، ويكون الوعيد الذي ذكر فيه في غيره : فيما فيه أمر من الله أو حكم ؛ نحو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الفجر ، فرأى رجلين جالسين ، فقال لهما : «ما بالكما لم تصليا معنا؟» فقالا : إنا قد صلينا في رحالنا ، فقال : «إذا صليتما ، ثم أتيتما المسجد ، فصليا معهم ؛ فتكون لكما سبحة» (١) ، وإنما قال : «فصليا معهم» لا في صلاة الفجر ، ولكن في الصلوات التي يتطوع بعدها.
وقوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) : إن كان هذا في المؤمنين فيكون الضلال هو الخطأ ؛ كأنه قال : فقد أخطأ خطأ بينا ، ويجوز هذا في اللغة ، نحو قول إخوة يوسف لأبيهم في تفضيله يوسف عليهم ؛ حيث قالوا : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف : ٨] أي : في خطأ بين ؛ حيث يفضل من لا منفعة له منه على من له منه منفعة ؛ فعلى ذلك هذا.
وإن كان في المنافقين فهم في ضلال بين ، فالضلال من المؤمن لا يفهم [منه] ما يفهم من الكافر والمنافق ؛ ألا ترى أن الظلم من المؤمن لا يفهم منه ما يفهم من المنافق أو الكافر ؛ ألا ترى أن آدم وحواء لما ارتكبا وقربا تلك الشجرة قالا : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] لم يريدا ظلم كفر ، وعلى ذلك قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] فعلى ذلك المفهوم من ضلال المؤمن غير المفهوم من ضلال المنافق والكافر ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) قال أهل التأويل (٢) : أنعم الله عليه بالإسلام ، وأنعمت عليه بالإعتاق ؛ حيث أعتقه ؛ لأنه ذكر أن زيدا كان عربيّا من أهل الكتاب ، أصابه النبي صلىاللهعليهوسلم من سبي أهل الجاهلية ، فأعتقه وتبناه ، فأنعم الله عليه حيث أعطاه الإسلام ، ووفقه الهدى ، وأنعم عليه الرسول حيث أعتقه.
ويحتمل إنعام الله عليه ـ أيضا ـ في الإعتاق ؛ حيث وفق رسوله للعتاق ، أو في خلق فعل الإعتاق من رسوله وإجرائه إليه ، وعلى قول المعتزلة : ليس لله على زيد ولا على جميع المسلمين في الإسلام إنعام ولا إفضال ؛ لوجوه :
أحدها : أنهم يقولون : قد أعطى كلّا سبب ما يلزمهم الإسلام وهو القوة ؛ فهم إنما
__________________
(١) أخرجه أحمد (٤ / ١٦٠ ـ ١٦١) ، وأبو داود (١ / ٢١٣) كتاب الصلاة : باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة (٥٧٥ ـ ٥٧٦).
والترمذي (١ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩) أبواب الصلاة : باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة (٢١٩) ، والنسائي (٢ / ١١٢) كتاب الإمامة : باب إعادة الفجر لمن صلى وحده ، وابن خزيمة (١٢٧٩) ، والطحاوي في شرح المعاني (١ / ٣٦٣) ، والدارقطني (١ / ٤١٣) ، والحاكم (١ / ٢٤٤).
(٢) قاله عكرمة ، أخرجه عبد بن حميد ، وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٨٥).