يسلمون لا بصنع من الله في ذلك ؛ فعلى قولهم : كان من الله سبب لزوم الإسلام ، فأمّا في الإسلام نفسه فلا صنع له فيه ، فإذا كان كذلك فلا منة تكون منه عليهم ولا إنعام.
والثاني : يقولون : أن ليس لله أن يفعل بالخلق إلا ما هو أصلح لهم في الدّين ، ولا شك أن الإسلام لهم أصلح ؛ فعليه أن يفعل ذلك بهم ، فهو فعل ما عليه أن يفعل ، ولا يجوز أن يفعل غيره ، ومن أدى حقا عليه لا يكون في فعله منعما ولا مفضلا ؛ إنما هو مؤدي حق عليه.
والثالث : يقولون : أن ليس من الله إلى الأنبياء والمؤمنين جميعا شيء إلا وقد كان ذلك منه إلى إبليس وأتباعه وإلى جميع الفراعنة ، فإذا كان قولهم ومذهبهم ما ذكرنا ـ لم يكن لله على أحد من أهل الإسلام في إسلامهم إنعام ولا إفضال ، والله أخبر أن له عليهم في ذلك نعمة ومنة ، وكذلك فهم منه ذلك في قوله : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ...) [الحجرات : ١٧] إلى (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات : ١٧].
وقوله : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ).
ذكر بعض أهل التأويل (١) : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أبصر امرأة زيد فأعجبته وودّها ، ففهم زيد ذلك منه ؛ فقال : يا رسول الله ، إني أريد أن أطلق فلانة ، وإن فيها كبرا تتعاظم عليّ وتؤذيني بكذا ؛ فعند ذلك قال له النبي صلىاللهعليهوسلم : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) في طلاقها ، ولا تطلقها ، لكن لا نقول نحن شيئا من ذلك إلا بخبر ثبت من رسول الله يخبر أنه كان ذلك.
وجائز أن يكون زيد استأذن رسول الله في طلاقها ، على ما يطلق الرجل امرأته ؛ لما يمل منها بلا سبب يكون ؛ فقال له عند ذلك : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) ، ولا تطلق زوجك بلا سبب يستوجب به الطلاق ؛ لأنه لا يسع للرجل أن يطلق زوجته بلا سبب يحمله على الطلاق من تضييع حدود الله ، وترك إقامتها ، أو معنى نحوه ، فأما بلا سبب يكون في ذلك فلا يسع.
أو أن يكون قوله : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) ، أي : تزوجها واتق الله في ترك تزوجها ؛ فيكون هو مأمورا بنكاحها ، كما كانت هي مأمورة بتزويجها نفسها منه ، فيقول : اتق الله في ترك الأمر للنبي ذلك في ترك ما ندبت إليه وأمرت به ، والله أعلم.
وقوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ).
__________________
(١) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٢٨٥١٩) ، وأخرجه ابن سعد ، والحاكم عن محمد بن يحيى بن حبان ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٨٢).