قال عامة أهل التأويل (١) : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) حبّها وإعجابها ، (مَا اللهُ مُبْدِيهِ) ، أي : ما الله مظهره في القرآن ، أي : حبها وتزوجها.
وقال قائلون : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) يا محمد : ليت أنه طلقها ، (مَا اللهُ مُبْدِيهِ) ، أي : مظهره عليك ، حتى ينزل به قرآنا.
لكن هذا بعيد محال ؛ لا يحتمل أن يكون النبي يقول لزيد : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) ، ثم يخفي هو في نفسه : ليت أنه يطلقها ؛ حتى يتزوجها هو.
وجائز أن يكون قوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) هذا القول نفسه ، هو الإبداء ؛ حيث جعله آية تتلى بعد ما أخفى رسول الله شيئا في نفسه : ما لو لا ذكر الله إياه ذلك لم يعلم الخلق أنه أخفى شيئا ، ولا ندري ما الذي أخفاه كذا وكذا إلا بخبر يجيء عنه ، فيقول : إني أخفيت في نفسي كذا ؛ فعند ذلك يسع ، فأمّا على الوهم فلا نقول به.
وقوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ).
قال بعضهم (٢) : (وَتَخْشَى النَّاسَ) ، أي : تستحي قالة الناس : «إنه تزوج امرأة ابنه» ؛ وتترك نكاحها ، والله أحق أن تستحي منه في ترك أمره إياك بالنكاح.
وقال بعضهم : (وَتَخْشَى النَّاسَ) ، أي : تتقي قالة الناس ؛ تستحي منهم في أمر زينب وما أعجبت هي إليك حسنها وحبها ، (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) على الابتداء على غير إلحاق بالأول في كل أمر وكل شيء ؛ كقوله : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) [البقرة : ١٥٠] ، والله أعلم.
وقوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها).
قال أهل التأويل (٣) : (قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) أي : حاجة ، أي : جماعا ؛ فإن كان الجماع ـ ففائدة ذكر الجماع فيه ؛ ليعلم أن حليلة ابن التبني تحل للرجل ، وأن الوطر هو عقد النكاح والجماع جميعا ، وإن كان كل واحد منهما سبب الحظر والمنع في نكاح حليلة ابن الصلب.
وجائز أن يكون قوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) ، أي : قضى همة نفسه ، وبلغ غاية ما همت نفسه منها ؛ فعند ذلك زوجناكها.
ذكر أن زينب بنت جحش كانت تفتخر على سائر أزواج النبي ، فتقول : «زوجكن
__________________
(١) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٥٣١).
(٢) قاله ابن عباس والحسن ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٥٣١).
(٣) انظر تفسير ابن جرير (١٠ / ٣٠٣) ، والبغوي (٣ / ٥٣٢).