آباؤكن رسول الله ، والله زوجني بنبيه فوق سبع سماوات (١) ؛ ففيه دلالة رسالته ؛ لأنه أخفى في نفسه ما كان يخشى قالة الناس في ذلك واستحى منهم ، وفي العرف أن من أخفى شيئا يستحي من الناس إن ظهر عندهم أن يكتم ذلك من الناس ولا يظهره ، فإذا كان رسول الله أظهر ما كان يخشى قالة الناس فيه ، ولم يكتمه منهم ؛ دل أنه رسول ؛ إذ لو كان غير رسول ، لكتمه وأخفاه ولم يظهره ؛ لما ذكرنا من العرف في الناس من كتمان ما يستحيون منهم إذا ظهر.
وكذلك روي عن عمر وعائشة أنهما قالا : «لو كان رسول الله كاتما شيئا من القرآن ، لكتم هذه الآية» (٢).
وقوله : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً).
في الآية دلالة لزوم الاتباع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في كل ما يخبر ويأمر به ، وفي كل فعل يفعله في نفسه ، إلا فيما ظهرت الخصوصية ، فأما فيما لم تظهر فعلى الناس اتباعه فيما يخبر ويفعل ؛ لأنه قال : تزوج امرأة دعيّه ، ثم قال : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) ، ولو كان يخبرهم بذلك خبرا لحل لهم ذلك ؛ فعلى ذلك : هو ذلك أخبر أن ذلك ؛ لكيلا يكون على المؤمنين حرج في مثل فعله ، والله أعلم. وفيه وجه آخر.
وقوله : (إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) ، ذكر قضاء الوطر منهن ؛ لأن من النساء من لا يحرمن على بعض هؤلاء بالعقد ، ولكن إنما يحرمن بقضاء الوطر ، ومنهن من يحرمن بالعقد نفسه دون قضاء الوطر ؛ فأخبر أن أزواج الأدعياء ـ وإن قضوا منهن الوطر ـ فإنهن لا يحرمن عليهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً).
أي : ما كان بأمر الله مفعولا ، وكذلك ما قيل : الصلاة أمر الله ؛ أي : بأمر الله تكون ؛ وإلا الصلاة هي فعل العباد ؛ فلا تكون أمر الله ، ولكن بأمر الله ، فعلى ذلك قوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) ، أي : ما يكون بأمر الله مفعولا ، وكذا قوله : (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) [الحديد : ١٤] ، أي : جاء ما يكون بأمر الله ، وهو العذاب الذي أوعدوا ؛ لأن أمر الله لا يجيء.
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن قتادة عنها ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٨٣) ، وله شواهد عن أم سلمة وعائشة والشعبي ، وغيرهم.
(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٦٤) في التفسير : باب «ومن سورة الأحزاب» (٣٢٠٧ ، ٣٢٠٨) ، وأحمد (٦ / ٢٤١ ، ٢٦٦) ، وابن جرير (٢٨٥٢٢) وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن عائشة ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٨٣).