الصفوة والإخلاص من عباده أنهم يمشون على الأرض هونا ـ إلى آخر ما ذكر ، وإلا كانوا كلهم عباد الرحمن.
وصف أهل الصفوة منهم والإخلاص والتقى.
وقوله : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) :
قال بعضهم : حلماء أنقياء بغير مرح ولا بطر.
وقال بعضهم : (هَوْناً) أي : متواضعين ، لا خيلاء ، ولا كبرياء ، ولا مرحا.
وعن الحسن قال : هم المؤمنون قوم ذلل ، ذلت ـ والله الأسماع والأبصار والجوارح حتى يحسبهم الجاهل مرضى ، والله ما بالقوم من مرض ، وإنهم لأصحة القلوب ، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم.
وفي بعض الأخبار مرفوعا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «المؤمنون هينون لينون كالجمل الدنف ؛ إن قيد انقاد ، وإن أنيخ على صخرة استناخ».
وأصله : أنهم يمشون هونا من غير أن يتأذى بهم أحد ، أو يلحق بأحد منهم ضرر (١) ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) :
قال بعضهم : إذا خاطبهم الجاهلون ، وشافههم السفهاء ، لا يجاهلون أهل الجهل والسفه ، ولكن قالوا : السلام عليكم.
وقال بعضهم : وإذا سمعوا الشتم والأذى قالوا : سلاما ، أي سدادا وصوابا من القول ، وردّا مصروفا أعرضوا عن سفههم وجهلهم بهم ، ولم يكافئوهم ؛ كقوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ...) الآية [القصص : ٥٥] ، يخبر ـ عزوجل ـ عن صحبتهم أهل السفه والجهل وحسن معاشرتهم إياهم ، ورفقهم ، فكيف يعاملون أهل الخير والعقل منهم ويصاحبون ، فهذه معاملتهم الخلائق على الوصف الذي وصفه ، ثم أخبر عن صنيعهم لله وركونهم إليه ، فقال (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً).
عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رحم الله الذين يبيتون الليل وأيديهم على ركبهم» ، ثم قال : «من صلى ركعتين بعد العشاء ، فقد بات لله تعالى ساجدا قائما».
وقال الحسن : كانوا يبيتون لله على أقدامهم ويفترشون وجوههم سجدا لربهم تجيء دموعهم على خدودهم ، فرقا من ربهم ، وقال : لأمر ما سهر ليلهم ، ولأمر ما خشع له
__________________
(١) زاد في أ : أو معنى.