والدار الآخرة ؛ فاخترن رسول الله ، يقول ـ والله أعلم ـ : إذا اخترن المقام عند رسول الله والدار الآخرة ، فاخترن رسول الله (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَ) عن قلة النفقة والجماع ، (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ) من النفقة وغيره.
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) ، من الحب والرضا ، (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً).
وقوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ).
اختلف في قوله : (مِنْ بَعْدُ).
قال قائلون : من بعد اختيارهن رسول الله والدار الآخرة ؛ لأن الله لما خيرهن بين اختيار الدنيا وزينتها ، وبين اختيار رسول الله والدار الآخرة ، فاخترن رسول الله والدار الآخرة قصره الله عليهن ، فقال : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي : من بعد اختيارهن المقام معك.
(وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) :
فإن كان على هذا فيخرج الحظر والمنع مخرج الجزاء لهنّ والمكافات ؛ لما اخترنه على الدنيا وما فيها ؛ لئلا يشرك غيرهن في قسمهنّ منه. وروي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : اشترطنا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما اخترناه والدار الآخرة : ألا يتزوج علينا ، ولا يبدل بنا من أزواج.
ثم استثنى ما ملكت يمينه ؛ لأنه لا حظ لهن في القسم.
وقال بعضهم (١) : قوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) ، أي : من بعد المسلمات : كتابيات لا يهوديات ولا نصرانيات : ألا يتزوج يهودية ولا نصرانية ؛ فتكون من أمّهات المؤمنين ، (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) أي : لا بأس أن تشتري اليهودية والنصرانية ؛ فإن كان على هذا ، ففيه حظر الكتابيات لرسول الله لما ذكر خاصّة ، وأمّا المؤمنون : فإنه أباح لهم نكاح الكتابيات ؛ بقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة : ٥] ؛ فيكون حل الكتابيات للمؤمنين دون النبي بإزاء الزيادة والفضل الذي كان يحل لرسول الله.
وقال بعضهم (٢) : قوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) ، أي : من بعد المذكورات المحللات له في الآية التي قبل هذه الآية من بنات العم والعمات وبنات الخال والخالات ؛ يقول : لا يحل لك من النساء سوى من ذكر أن تتزوجهن عليهن ، ولا
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٨٥٨٩) ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٩٩).
(٢) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير (٢٨٥٨٨).