كقوله : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) [النور : ٢٧].
ويحتمل : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) ضيفا (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ) : إلا أن تدعوا إلى طعام ؛ لأن رسول الله كان إذا هيئوا له شيئا من الطعام دعا أصحابه ؛ فيأكلونه ، وكان لا يمسك ولا يدخر فضل الطعام لوقت آخر ، فإذا نزل به ضيف ، ولم يكن عنده ما يقدم إليه استحيا وشق عليه ذلك ؛ فنهوا عن الدخول عليه والنزول به ضيفا ؛ لما ذكرنا ، وأمروا بالانتظار إلى أن يدعوا إلى الطعام ؛ فعند ذلك يدخلون عليه ويضيفونه.
فإن كان الأوّل : ففيه الأمر بالحجاب والنهي عن الدخول بلا استئذان.
وإن كان الثاني : ففيه النهي عن النزول به ضيفا قبل أن يدعوا ؛ لما ذكرنا ؛ ويكون الأمر بالحجاب في قوله : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ).
وقال بعضهم (١) : ذكر هذا ؛ لأن أناسا من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله وغداه ، فإذا حضر ذلك دخلوا عليه بغير إذن ؛ فجلسوا في بيته ينتظرون نضج الطعام وإدراكه ؛ فنهوا عن ذلك ، وكانوا إذا أكلوا وفرغوا منه ، جلسوا في بيته ، ويتحدثون ، ويستأنسون ؛ فنهوا عن ذلك ، وأمروا بالانتشار والخروج من عنده وعند نسائه ، ولم يكن يحتجبن قبل ذلك منهم ؛ فشق ذلك على النبي ، والله أعلم.
وجائز أن يكون الأمر بالانتشار والخروج من عنده ؛ لما كان لرسول الله أمور وعبادات يحتاج إلى القيام بها : إما بينه وبين الله ، أو بينه وبين غيرهم من الناس ، فكانوا يشغلونه عن ذلك ؛ فنهوا عن ذلك لذلك.
أو لما ذكر بعض أهل التأويل من الحاجة له في أزواجه والخلوة بهن وقت القيلولة ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ).
الدخول عليه بغير إذن ؛ أو الانتظار لنضج الطعام وإدراكه ، أو الجلوس بعد فراغهم من الطعام والحديث ، أو ما كان.
وقوله : (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ).
ورسول الله ـ أيضا ـ كان لا يستحي من الحق ، لكنه يستحيي أن يقول لهم : «اخرجوا من منزلي ولا تدخلوا عليّ» ، ونحوه ؛ لما يقبح ذلك في الخلق أن يقول الرجل لآخر : «لا تدخل منزلي» أو «اخرج من منزلي» ؛ لما يرجع ذلك إلى دناءة الأخلاق والبخل ، فلما
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٦٠١) وهو قول مجاهد وقتادة.