أنزل الله ـ تعالى ـ الآية ، وأمر أن يقول لهم ما ذكر قال لهم ، وأخبرهم بذلك ؛ فلم يستح عند ذلك ؛ لما صار ذلك من حق الذين فرضا عليه لازما أن يعلمهم الآداب ، ويخبر عما يلزمهم من حق الدين ، وكان قبل ذلك في حق الملك وحق النفس ، فلما أنزل الله الآية ، وأمر بذلك صار من حق الدين ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) ، أي : لا يدع ولا يترك أن يعلمهم الحق والأدب ، وقد ذكرنا معناه في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ...) الآية [البقرة : ٢٦].
وقوله : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ).
جائز أن يكون المعنى الذي يكون أطهر لقلوب الرجال غير المعنى الذي يكون أطهر لقلوبهن : ذلك المعنى الذي يكون أطهر لقلوبهم : من الفجور والهم لقضاء الشهوة ، وما تدعوه النفس إليه ، (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) : من العداوة والضغينة ، لا الفجور وقضاء الشهوة ؛ وذلك أنهن قد عرفن أنهن لا يحللن لغيره نكاحا ؛ لما اخترنه والدار الآخرة على الدنيا وزينتها ، وقد أوعدن بارتكاب الفاحشة العذاب ضعفين ، على ما ذكر ، وذلك يمنعهن ويزجرهن عن ارتكاب ذلك فإذا كان كذلك ، فإذا عرفن من الداخلين عليهن والناظرين إليهن نظر الشهوة وقع في قلوبهن لهم العداوة والضغينة ؛ فيقول : السؤال من وراء الحجاب أطهر لقلوبكم من الفجور والريبة وأطهر لقلوبهن من العداوة والضغينة ، والله أعلم.
وجائز أن يكون ذلك واحدا ، وهو الريبة والفجور ؛ لما مكن فيهن من الشهوات ، وركب فيهن من فضل الدواعي إلى ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً).
قال بعض أهل التأويل (١) : إن [نساء] الرسول لما احتجبن بعد نزول آية الحجاب ، ونهوا عن الدخول عليهن والنظر إليهن ـ قال رجل : أننهى أن ندخل على بنات عمنا وبنات عماتنا وبنات خالنا وخالاتنا؟ أما ـ والله ـ لئن مات لأتزوجن فلانة ـ ذكر امرأة من نسائه ـ فنزل (وَما كانَ) أي : لا يحل (لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) ، لكن هذا قبيح ؛ لا يحتمل أن أحدا من الصحابة يقول ذلك ، أو واحدا ممّن صفا إيمانه به وحسن إسلامه ، أن يخطر بباله ذلك إلا أن يكون منافقا.
ويحتمل : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) فيما تقدم ذكره ، (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا
__________________
(١) قاله طلحة بن عبيد الله ، أخرجه السدي عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٠٤).