نزل : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) قمت إليه ، فقلت : يا رسول الله ، السلام قد عرفناه ؛ فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال : «قل : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ؛ إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» (١).
ففي الآية الأمر للمؤمنين أن يصلوا على النبي ، ثم لما سئل هو عن كيفية الصلاة عليه وماهيتها؟ قال لهم : أن تقولوا : «اللهم صل على محمد» ، وهو سؤال أن يتولى الرب الصلاة عليه.
وفي ظاهر الآية : هم المأمورون بتولي الصلاة بأنفسهم عليه ، لكنه ـ صلوات الله [عليه] ـ لما أمروا بالصلاة عليه ، وهي الغاية من الثناء ، لم ير في وسعهم وطاقتهم القيام بغاية ما أمروا به من الثناء عليه ـ أمرهم أن يكلوا ذلك إلى الله ويفوضوا إليه ، وأن يسألوه ليتولى ذلك هو دونهم ؛ لما [لم] ير في وسعهم القيام بغاية الثناء عليه ، وإلا ليس في ظاهر الآية سؤال الرب أن يصلي هو عليه ؛ ولكن فيها الأمر : أن صلوا أنتم عليه ، والله أعلم.
وقوله : «كما صليت وباركت على إبراهيم وآله» : تخصيص إبراهيم من بين غيره من الرسل يحتمل ما ذكره أهل التأويل : إنه ليس من أهل دين ومذهب إلا وهو يدعي ويزعم أنه على دينه ومذهبه ، وأنه يتأسّى به ؛ لذلك خصّه بالصلاة عليه من بين غيره من الأنبياء وجائز أن يكون لا لهذا ؛ ولكنه لمعنى كان فيه وفي ذريته ، لا نعرفه نحن ؛ فخصّه بذلك من بين غيره ، والله أعلم.
وقوله : «وبارك على محمد» البركة كأنها اسم كل خير يكون أبدا على النماء والزيادة في كل وقت ، وقد ذكرنا فيما تقدم ما قيل في صلاة الله عليهم وصلاة الملائكة وصلاة المؤمنين.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) : اختلف فيه : قال بعضهم (٢) : نزلت الآية في اليهود ؛ حين قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤] ، وهو (فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١] ، وفي النصارى ؛ حين قالوا : (الْمَسِيحُ
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٣٩٢) كتاب التفسير ، باب : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...) ، ومسلم كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم بعد التشهد.
(٢) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٥٤٣).