وفي الآية دلالة رخصة خروج الحرائر للحوائج ؛ لأنه لو لم يجز لهن الخروج لم يؤمرن بإرخاء الجلباب على أنفسهن ؛ ولكن ينهاهن عن الخروج ؛ فدل أنه يجوز لهن الخروج للحاجة ، والله أعلم.
وقوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
جائز أن يكون قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عما سبق ذكره من التعرض للنساء بالزنا والفجور بهنّ ؛ وإنهم هم الفاعلون لذلك بهنّ. وأما المسلمون فلا يحتمل أن يتعرضوا لشيء من ذلك [في ذلك] الوقت ؛ فقال : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) ومن ذكر ، عن ذلك يفعل بهم ما ذكر.
وقال بعضهم (١) : إن أهل النفاق كانوا يرجفون أخبار العدو ويذيعونها ، ويقولون : قد أتاكم عدد وعدة من العدو ؛ كقوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) [آل عمران : ١٧٣] : كانوا يجبنونهم ويضعفونهم ؛ لئلا يغتروا أولئك الكفرة ، يسرون النفاق والخلاف لهم ، ويظهرون الوفاق ويسرون فيما بينهم ، ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ؛ فنهوا عن ذلك ؛ حيث قال : (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) [المجادلة : ٩] ؛ فنهوا عن ذلك ؛ فقال هاهنا : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) عن صنيعهم ذلك ، (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً).
قال بعضهم (٢) : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) ، أي : لنسلطنك عليهم.
وقال بعضهم : لنحملنك عليهم.
وقال بعضهم : لنولعنك بهم.
وكأن الإغراء هو التخلية بينه وبينهم ؛ حتى يقابلهم بالسيف ويقتلهم ، وكان قبل ذلك يقابلهم باللسان ، لم يأمره بالمقابلة بالسيف إلى هذا الوقت ، وأخبر أنهم (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا).
أي : مطرودون أينما وجدوا ؛ لأن اللعن هو الطرد ، وأنهم يقتلون تقتيلا ، وأنهم لا يجاورونك إلا قليلا فيما لا تعلم بهم.
وقوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال بعضهم (٣) : هم الزناة ، و (الْمُنافِقُونَ) ، هم
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٦٥٩) ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤١٧).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٦٦١) وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤١٨).
(٣) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٦٥٤) وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مالك بن دينار عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤١٧) ، وهو قول قتادة وأبي صالح وابن زيد.