رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ؛ فنزل (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) ، ثم أمرن عند ذلك بإدناء الجلباب وإرخائه عليهن ؛ ليعرفن أنهن حرائر ، ونهين أن يتشبهن بالإماء ؛ لئلا يؤذين ، وهو قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ).
وقال بعضهم (١) : نزل هذا بالمدينة في نساء المهاجرين ؛ وذلك أن المهاجرين قدموا إلى المدينة ، وهي مضيقة ، ومعهم نساؤهم ؛ فنزلوا مع الأنصار في ديارهم ؛ فضاق الدور عليهم ، فكانت النساء يخرجن بالليل إلى البراز ، فيقضين حوائجهن هنالك ، فكان المريب يرصد النساء بالليل ، فيأتيها فيعرض عليها ، وإنما كانوا يطلبون الولائد والإماء ، فلم تعرف الأمة من الحرة بالليل ؛ لأن زيهن كان واحدا يومئذ ؛ فذكر نساء المؤمنين ذلك إلى أزواجهن ما يلقين بالليل من أهل الريبة والفجور ؛ فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل فيهم : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ...) إلى آخر ما ذكر : أمر الحرائر بإرخاء الجلباب وإسداله عليهن ؛ ليكون علما بين الحرائر والإماء.
وروى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن جارية مرت به متقنعة ؛ فضربها بالدرة ، وقال : «اكشفي قناعك ، ولا تتشبهي بالحرائر» (٢) ، وأمر الإماء بكشف ما ذكر ، والحرائر بستر ذلك.
وقد أمر الحرائر في سورة النور بضرب الخمر على الجيوب بقوله : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) [النور : ٣١] ؛ لئلا يظهر الزينة التي على الجيوب ، ونهين أن يظهرن ويبدين زينتهن للأجنبيين إلا ما ظهر منها ، وأمرن في هذه الآية على إرخاء الجلباب وإسداله عليهن ؛ ليعرفن أنهن حرائر ؛ فلا يؤذين بما ذكرنا.
ثم اختلف في الجلباب :
قال بعضهم : هو الرداء ، والجلابيب : الأردية ، وهو قول القتبي (٣) : أمرن أن يلبسن الأردية والملإ.
وقال أبو عوسجة : الجلابيب : المقانع ، الواحد : جلباب ، يقال : تجلببي ، أي تقنعي ، وهو الذي يكون فوق الخمار.
__________________
(١) قاله السدي ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤١٦).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أنس عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤١٥).
(٣) انظر : تفسير غريب القرآن (٣٥٢).