متجردا ، والله أعلم.
وقال بعضهم (١) : آذوه ؛ لأنه كان خرج بهارون إلى بعض الجبال ؛ فمات هارون هناك ، فرجع موسى إليهم وحده ؛ فقال بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته حسدا ؛ فقال موسى : «ويلكم ، أيقتل الرجل أخاه» ؛ فآذوه ، فذلك قوله : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) ؛ فجاءت به الملائكة فوضعته بينهم ، فقال لهم : لم يقتلني أحد ؛ إنما جاء أجلي فمت ، فذلك قوله : (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا).
هذا يشبه أن يكون ـ وغيره ـ كأنه أقرب وأشبه ، وهو ما كان قوم كل رسول نسبوا رسولهم إلى الجنون مرة ، وإلى السحر ثانيا ، وأنه كذاب مفتر ، ونحوه ، على علم منهم أنه رسول الله ، ولا شك أنهم كانوا يتأذون بذلك جدّا ؛ ولذلك قال : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) [الصف : ٥] : لا يحتمل أن يكون هذا في الأول ؛ لأنهم لو كانوا علموا أنه ليس به ما ذكروا ـ لم يؤذوه ؛ فدل أن أذاهم إياه فيما ذكرنا ، وفي أمثال ذلك ، وكذلك ما نهى قوم رسول الله من الأذى له ؛ لما نسبوه مرة إلى الجنون ، وإلى السحر ثانيا ، وإلى الافتراء والكذب على الله ثالثا ، لا فيما ذكر أولئك.
(وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً).
أي : مكينا في القدر والمنزلة ، والله أعلم.
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً).
جائز أن يكون قوله : (اتَّقُوا اللهَ) ، أي : اتقوا الشرك في حادث الوقت ، (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ، أي : ائتوا بالتوحيد في حادث الوقت ؛ لأنه إنما خاطب به المؤمنين :
(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).
أي : بالتوحيد ؛ لأنه بالتوحيد تصلح الأعمال وتذكر ، وبه يغفر ما كان من الذنوب ، وبه يكون الفوز العظيم ، وبالله التوفيق.
ويحتمل قوله : (اتَّقُوا اللهَ) في الخيانة فيما بينكم وبين الخلق ، أي : لا تخونوا الخلق.
(وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ، أي : صدقا وصوابا ؛ أي : لا تكذبوا ، ولا تقولوا فحشا ونحوه.
ويحتمل (اتَّقُوا اللهَ) ولا تعصوه ، واعملوا بالمعروف ، وانتهوا عن المنكر (وَقُولُوا قَوْلاً
__________________
(١) قاله علي بن أبي طالب ، أخرجه ابن جرير (٢٨٦٧٦) وابن منيع ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن ابن عباس عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤١٩).