سَدِيداً) ، ومروا الناس ، وانهوا عن المنكر (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ...) إلى آخر ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) قد تكلف أهل التأويل تفسير هذه الأمانة المذكورة في الآية :
قال بعضهم : هي كلمة الشهادة والتوحيد.
ومنهم من قال (١) : هي جميع الفرائض التي افترض الله على عباده.
ومنهم من قال (٢) : هي الصلاة ، والصيام ، والحج ، وأمثاله ، وجميع ما أمروا به ونهوا عنه.
لكن التكلف والاشتغال بالتكلم في ماهية هذه الأمانة المذكورة المعروضة على من ذكر ـ فضل ، لا يجب أن يتكلف تفسيرها : أنها كذا ؛ لأنها مبهمة ، لا تعلم إلا بالخبر الوارد عن الله ـ تعالى ـ أنها كذا ، وأن يجعل ذلك من المكتوم ، ولا يشتغل بالتفسير ، والله أعلم بذلك.
ثم اختلف فيما ذكر من عرض هذه الأمانة على السموات والأرض والجبال ، وما ذكر من إبائها عن احتمالها والإشفاق :
فقال بعضهم : قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومن ذكر ؛ أي : خلقنا خلقة ما ذكر من السموات والأرض والجبال خلقة لا تحتمل حمل ما ذكر من الأمانة ؛ (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) إباء خلقة ؛ أي : لم يخلق خلقتها بحيث تحتمل ذلك ، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أي : خلقنا خلقة الإنسان خلقة تحتمل ذلك ؛ إلى هذا يذهب بعضهم.
وقال بعضهم : قوله : (عَرَضْنَا) حقيقة العرض ، إلا أنه على التخيير بين أن تقبل وتتحمل وتفي بذلك فيكون لها الثواب ، أو لا تفي فيكون لها العقاب في الآخرة ، وبين ألا تتحمل ولا تقبل ؛ فتكون كسائر الموات تفنى بفناء الدنيا : لا ثواب لها في الآخرة ولا عقاب ، وإلا لم يحتمل أن يعرض عليهن ما ذكر عرض لزوم وإيجاب ، ثم يأبين ذلك ويشفقن منها ، وقد وصفهن الله بالطاعة له والخضوع في غير آي من القرآن ؛ حيث قال : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] وقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ...) الآية [الحشر : ٢١] ، وقال في آية : (يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٦٨٢ ، ٢٨٦٨٣) وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في كتاب الأضداد عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٢١).
(٢) قاله ابن مسعود ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٨٦٩٤).