[الأنبياء : ٧٩] وكذا ، ونحوه ، ولكن إن كان على حقيقة العرض فهو على التخيير الذي ذكرنا ، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ، فكان له الثواب إن قام بها ، وعليه العقاب إن لم يقم.
وقال بعضهم (١) : قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) ، أي : عرض على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال ، فلم يحملوها ، إلا الإنسان منهم فإنه حملها.
(إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) قال الحسن : ظلوما لنفسه ، جهولا لأمر ربه (٢).
وقال بعضهم : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) ، أي : أبين أن يعصين الله وأشفقن منه ؛ أي : لم يعصوا قط (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أي : عصى الإنسان ربه ؛ فيجعل الحمل كناية عن العصيان والوزر ، يقول : لأنه ما ذكر في القرآن الحمل إلا في الوزر والخطايا ؛ كقوله : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [العنكبوت : ١٢] ، وقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] ، وقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النحل : ٢٥] ، وقوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) [الشرح : ٢ ، ٣] ، ونحوه كثير.
وقوله : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) إلى أي تأويل من هذه التأويلات التي ذكرنا صرف هذا إليه ـ استقام ، والله أعلم.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : (الْأَمانَةَ) : العبادة : قال الله ـ تعالى ـ للسماوات والأرض والجبال : تأخذن العبادة بما فيها ، قلن : يا ربّ ، وما فيها؟ قال : إن أحسنتن جزيتن ، وإن أسأتن عوقبتن ، (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) ، أي : خفن ، وعرضت على الإنسان فقبلها (٣) ، وهو قول الله لبني آدم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال : ٢٧] أما خيانتهم الله ورسوله فمعصيتهما ، وأمّا خيانة الأمانة فتركهم ما افترض الله عليهم من العبادة.
وقتادة : يقول : أما والله ما بهن معصية ، ولكن قيل لهنّ : أتحملنها وتؤدين حقها؟ قلن : لا نطيق ذلك ، فقيل للإنسان ـ وهو آدم ـ : أتحملها وتؤدي حقها؟ قال : نعم (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) عن حقها (٤).
__________________
(١) هو قول ابن عباس وقد تقدم.
(٢) وقاله الضحاك وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٨٦٩٩ ، ٢٨٧٠١).
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه ابن جرير (٢٨٦٩٣) وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٢٣).