وفي حرف أبيّ وابن مسعود وحفصة (فَأَبَيْنَ)(١) أي : فلم يطقنها.
وقال أبو معاذ : الإباء في كلام العرب على وجهين :
أحدهما : هذا ، وهو العجز.
والآخر : قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) [البقرة : ٣٤] أي : عصى وترك الأمر.
والحسن يقول : عرضت الأمانة على السموات وما ذكر ، فقيل لهن : أتأخذن الأمانة بما فيها ، قلن : يا رب ، وما فيها؟ قيل لهن : إن أحسنتن جزيتن ، وإن أسأتن عوقبتن ، قلن : لا (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لنفسه (جَهُولاً) بربه ، وهو مثل الأول.
وقال بعضهم (٢) : كان ظلوما لنفسه في ركوبه المعصية ، جهولا بعاقبة ما تحمل.
والوجه فيه ما ذكرنا بدءا أنه لا تفسّر الأمانة أنها ما هي؟ وكيف كان ذلك العرض على من ذكر من السموات والأرض والجبال ، وإباؤهن ، وإشفاقهن؟ والله أعلم ما أراد بذلك.
وقوله : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ ...) [على] من ذكر ؛ أي : ليعذب من علم أنه لا يقوم بوفائها ويضيعها ـ أعني : الأمانة التي احتملها ـ وإنما ضيعها من ذكر من المنافقين والمشركين ، ويثيب من لم يضيعها وقام بوفائها ، وهم المؤمنون.
قال أبو عوسجة : السداد : الاستقامة ؛ تقول : سددك الله ، وأرشدك.
وقال أبو عبيدة (٣) : السديد : القصد.
وكذلك قال القتبي ، والقصد كأنه العدل ، والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
* * *
__________________
(١) لم يذكر فرقا بين القراءة المتواترة وغيرها.
(٢) هو قول الضحاك وقتادة وقد تقدم.
(٣) انظر : تفسير غريب القرآن (٣٥٢).