قال بعضهم (١) : أي : اعملوا لآل داود شكرا ؛ لأنه ذكر أنه ليس من زمان في ليل ونهار إلا ويكون من آل داود صائم بالنهار ومصلّ بالليل ، أو كلام نحوه ؛ فأمروا بالشكر لهم.
وقال بعضهم (٢) : كأنه قال : اعملوا يا آل داود شكرا ، لما أعطيتكم من الملك والفضل.
(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).
أي : قليل من عبادي المؤمنين ، والشكور كناية عن المؤمن ؛ على ما ذكرنا في قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم : ٥] ، أي : لكل مؤمن ، والله أعلم.
قال أبو عوسجة والقتبي : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) ، أي : أذبنا له عين النحاس ، والشكور هو الفعول ، والفعول والفعال هما اللذان يكثران الفعل ؛ فكأن الشكور هو الذي يعتقد الشكر لربه ، ويشكر مع الاعتقاد ؛ فيكون منه الاعتقاد والمعاملة جميعا.
وقوله : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ).
دل هذا على أن موته كان بحضرة أهله وبمشهد منهم ؛ حيث ذكر : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) ثم يذكر بعض أهل التأويل (٣) أنه سأل ربّه أن يعمّى على الجن موته ؛ حتى يعلم الإنس (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) ـ أعني : الجن ـ (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).
وبعضهم يقول : سأل ربه أن يعمي على الجن موته ؛ حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس ، فدأبوا حولا يعملون ، فلما فرغوا من بنائه خر سليمان ميتا من عصاه ، وكان متكئا عليها.
وبعضهم يقول : لما حضره الموت ـ وكان على فراشه في البيت ـ لم يكن على عصاه ؛ فقال : لا تخبروا الجن بموتي ؛ حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس ـ وكان بقي عمل سنة ـ ففعلوا ، فلما فرغوا من بنائه ـ خرّ ؛ فعند ذلك علمت الجن بموته ، والله
__________________
(١) قاله ثابت البناني بنحوه ، أخرجه ابن أبي شيبة ، وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٣٠).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٣٠).
(٣) ورد في معناه حديث عن ابن عباس
أخرجه ابن جرير (٢٨٧٧٧) ، والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، وابن السني في الطب ، والبغوي وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٣٢) ، وهو قول ابن مسعود وقتادة وابن زيد ، وغيرهم.