وقوله : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ).
هذا ـ والله أعلم ـ صلة ما تقدم من قوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، وصلة قوله : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) ؛ كأنهم قالوا لرسول الله وأصحابه : إنا لعلى هدى ، وأنتم على ضلال مبين ؛ فقال عند ذلك جوابا لهم : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) ، أي : يجمع بيننا ، (ثُمَّ يَفْتَحُ) ، أي : يقضي بيننا بالحق : من منّا على الهدى؟ ومن منا على الضلال نحن أو أنتم؟ (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) ، أي : وهو الحاكم العليم : ما ظهر وما بطن حقيقة ، والمفاتحة هي المحاكمة ، يقال : هلم حتى نفاتحك إلى فلان ، أي : نحاكمك ، وذلك جائز في اللغة.
ويحتمل قوله : (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِ) ، أي : يكشف كل خفي منا وكل ستير وباطن ؛ فيجعله ظاهرا بيننا ؛ ليظهر الذي من هو على الحق من الباطل؟ والهدى من الضلال؟ (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) ، أي : الكاشف المظهر العليم ، يعلم الظاهر والباطن جميعا ، والإعلان والإسرار جميعا ، والله أعلم.
وقوله : (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ).
أي : أروني الذين ألحقتم بالله شركاء في تسميتكم الأصنام : آلهة.
أو أروني الذين ألحقتم به شركاء في العبادة.
وجائز أن يكون قال ذلك للذين عبدوا الملائكة وأشركوا فيها ؛ كأن فيه إضمارا ، يقول : أروني الذين ألحقتم به شركاء : هل خلقوا شيئا؟ أم هل رزقوا؟ أم هل أحيوا؟ أم هل أماتوا؟ فإذا عرفتم أنهم لم يخلقوا ، ولم يرزقوا ، ولا يقدرون ذلك ، وعلمتم أن الله هو خالق ذلك كله ، وهو الرزاق ؛ فكيف أشركتم من لا يملك ذلك في ألوهيته؟
(كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
منهم من يقول : (كَلَّا) ردّا على قولهم : شركاء ، أي : ليسوا بشركائي ؛ بل هو المتفرد الواحد الحكيم.
ومنهم من يقول : هو ردّ على قوله : هل خلقوا شيئا؟ أم هل رزقوا شيئا؟! يقول : (كَلَّا) ، أي : لم يخلقوا ولم يرزقوا ؛ بل هو الله المتفرد بذلك ، والله الموفق.
قال أبو عوسجة : (فُزِّعَ) : ذهب.
وقال القتبي (١) : (فُزِّعَ) : خفف.
__________________
(١) انظر تفسير غريب القرآن (٣٥٦).