ذكر في حرف ابن مسعود وحفصة : قل من يرزقكم من السماء والأرض قالوا الله قال إني أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين.
وقال بعضهم في قوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ) من المطر (وَالْأَرْضِ) النبات؟ فإن أجابوك ، فقالوا : الله ، وإلا فقل : الله يفعل ذلك بكم ؛ فكيف تعبدون غيره.
(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً).
يقول ذلك رسول الله لأهل مكة : إنا لعلى هدى أو إنكم لعلى هدى ، وإنا أو إياكم لفي ضلال مبين.
وقال بعضهم : معناه : وإنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين ، ولكن ليس هذا في ظاهر هذا الكلام.
وجائز أن يكون هذا على تعريض الشتم لهم بالضلال ، والكناية لذلك كما يقول الرجل لآخر في حديث أو خبر يجري بينهما : إن أحدنا لكاذب في ذلك ، أي : أنت كاذب في ذلك ، لكنه تعريض منه بذلك ليس بتصريح.
وقال قتادة : هذا قول محمد وأصحابه لأهل الشرك : والله ما نحن وأنتم على أمر واحد ، والله إن أحد الفريقين لمهتد ، والفريق الآخر في ضلال مبين ، فأنتم تعلمون أنا على هدى ؛ لما أقمنا من الدلائل والحجج والبراهين على ذلك ، وأنتم لا.
وقال بعضهم : قال ذلك ؛ لأن كفار مكة قالوا للنبي وأصحابه : تعالوا ننظر في معايشنا : من أفضل دينا : أنحن أم أنتم؟ فعلى ذلك يكون في الآخرة ؛ فردّ الله ذلك عليهم في قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ ...) الآية [الجاثية : ٢١].
وقوله : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
قال بعضهم : قال ذلك ؛ لأنهم كانوا يعيرون رسول الله ويوبخونه في طعنه الأصنام التي عبدوها ، وذكره إياها بالسوء ، وما يدعون عليه من الافتراء بأنه رسول الله ، فيقول لهم : (لا تُسْئَلُونَ) أنتم (عَمَّا أَجْرَمْنا) نحن ، (وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، وهو كقوله في سورة هود : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [٣٥].
أو أن يكون قوله : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) ، أي : عما دنّا من الدين. أو عما عملنا من الأعمال ، (وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أنتم عما تدينون من الدين ؛ كقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] ، وكقوله : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) [يونس : ٤١] ، وقوله : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) [القصص : ٥٥] ، وإنما يقال هذا بعد ظهور العناد والمكابرة ، فأمّا عند الابتداء فلا ، والله أعلم.