فيفزع الملائكة بذلك ؛ فيخرون سجدا ، (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) ، قال : إذا انجلى عن قلوبهم (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).
وقوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) ، قيل (١) : جلّى وكشف الغطاء.
قال الكسائي : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) مشتقة من الفزع ؛ كما تقول : هيبه عن قلبه وفرقه وفزع كله واحد (٢).
ومن قرأ : فرغ ، بالراء : أخرج وترك فارغا من الخوف والشغل ، وهي قراءة ابن مسعود.
قال بعضهم ـ في قوله : (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ) يقول : يخبرون بالأمر الذي جاءوا به ، ولا يقولون إلا الحق ، لا يزيدون ولا ينقصون.
وقوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ، أي : لا يملكون إنشاء ذرة في السموات والأرض ، (وَما لَهُمْ) في إنشائها (فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ) في إنشاء ذلك من عون ؛ فكيف تعبدونهم وتسمونهم آلهة؟!.
وجائز أن يكون قوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ).
ذلك الفزع منهم وذلك القول منهم في القيامة ؛ فزعوا لقيامها ، وقد قرئ (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) ، بنصب الفاء ، أي : حتى إذا فزع الله ، أي : كشف الله عن قلوبهم الفزع ، وجلا ذلك عنهم ، والله أعلم.
وقوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
هذا في الظاهر وإن كان استفهاما فهو على التقرير والإيجاب ؛ لأنا قد ذكرنا : أن كل استفهام كان من الله ، فهو على التقرير والإيجاب.
ثم لو كان ذلك ممن يكون منه الاستفهام ، لكان جواب قوله : (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يقولون : الله يرزقنا ؛ كقوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ...) [يونس : ٣١] ، ثم قال في آخره : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) ، فيقول لهم : فإذا علمتم أن الله هو رازقكم ، فكيف صرفتم عبادتكم عنه إلى من تعلمون أنه لا يملك شيئا من رزقكم؟! كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) [العنكبوت : ١٧] ؛ إنه لا يملك [غيره] شيئا من رزقكم.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٨٣٨) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٤١).
(٢) ثبت في حاشية أ : هيبه عن قلبه : فرقه وفزعه ، شرح.