لو نظروا علموا ، والله أعلم.
وقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
هذا القول منهم إنما يقولون على الاستهزاء والسخرية ، ليس على الاسترشاد على أنه لا يكون ذلك ، وأنه كذب ؛ كقوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) [الشورى : ١٨] : أخبر أن أولئك يستعجلون بها ؛ لتركهم الإيمان بها استهزاء منه ، والذين آمنوا خائفون منها ؛ لإيمانهم بها أنها كائنة لا محالة ، لكن الله ـ سبحانه ـ لم يجبهم بما يجاب المستهزئ ؛ ولكن أجابهم بما يجاب المسترشد ؛ بلطفه وكرمه وجوده حيث قال : (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ).
أي : لكم ميعاد [اليوم] الذي وعدكم محمد أنه كائن لا محالة ، وهو يوم (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) ، وهكذا الواجب على كل مسئول إذا كان سائله سؤال استهزاء أن يجيبه جواب ما يجاب المسترشد ، لا ما يجاب المستهزئ ، ولا يدع علمه وحكمته لسفه السفيه ، ولا لهزء الهازئ ، ولكنه يحفظ حكمته وعلمه وعقله ، ولا يشتغل بجواب مثله ، وبالله العصمة.
وقوله : (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ).
فإن كان على طلب التأخير وطلب التقديم ، ففيه تعيير وتوبيخ لهم ؛ كأنه يقول : ليس لكم من الخطر والقدر والمنزلة ما يؤخر لكم ما تستأخرون أو يقدم لكم ما تستقدمون.
وإن كان على تحقيق ترك التأخير وترك التقديم ، كأنه يقول : ميعادكم يوم لا تملكون تأخيره إذا جاء ، ولا تقديمه عن وقته ولا رفعه ، والله أعلم.
وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ).
كأن هذا القول منهم ـ والله أعلم ـ خرج عن مخاصمة وقعت بينهم وبين المؤمنين في شأن القرآن أو في شأن محمد ؛ فتحاكموا إلى [أهل] الكتاب على اتفاق منهم على ما في كتبهم ، فلما خرج ذلك على موافقة قول المؤمنين ، ومخالفة قول أولئك ـ قالوا عند ذلك : (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، وإلا على الابتداء من غير تنازع وخصومة كان بينهم في ذلك غير مستقيم.
ويذكر بعض أهل التأويل ـ ابن عباس وغيره ـ : أن رهطا بعثهم قريش إلى المدينة إلى رؤساء اليهود ؛ يسألونهم عن محمد وبعثه ؛ فأخبروهم أنه كائن وأنه مبعوث ، فلما رجعوا إليهم فأخبروهم أنهم قد عرفوه ، وهو عندهم في التوراة والإنجيل ـ فعند ذلك قالوا ما قالوا ثم كأنه اشتد ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وثقل عليه ؛ فقال له على التعزية والتصبير على