ذلك : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
أي : محبوسون عند ربهم ، أي : على محاسبة ما كان منهم من العناد والمكابرة والتكذيب ، أي : لو رأيتهم ما فيهم من الذل والهوان والخضوع لرحمتهم ولأخذتك الرأفة لهم ، والله أعلم.
وقوله : (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ).
أي : يلوم بعضهم بعضا ؛ فيقولون ما ذكر.
(يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) ، أي : السفلة والأتباع ، (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) ، أي : القادة منهم والرؤساء ، (لَوْ لا أَنْتُمْ) فيما صرفتمونا عن دين الله وصددتمونا عنه ، (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) به تابعين له ؛ لأنهم كانوا يصدرون لآرائهم ويقبلون قولهم ؛ لما هم كانوا أهل شرف ومعرفة ، والسفلة لا ، فيقولون : لو لا أنتم لكنا نتبع رأي أنفسنا ، فنؤمن به ، لكن قلتم لنا : إنه كذب ، وإنه افتراء ، وإنه سحر ؛ فنحن صدقناكم في ذلك.
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ).
قوله : (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ) هو على التقرير ، أي : لم نصدّكم ، وإن كان ظاهره استفهاما ، ولكن أنتم بأنفسكم تركتم اتباعه ؛ لأن الرؤساء منهم كانوا يقولون للأتباع : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [المؤمنون : ٣٣] أخبروا أنه بشر مثلهم ، ثم أخبروهم : أنكم إذا أطعتم بشرا مثلكم إذا تكونوا خاسرين ، ونحن بشر ، فكيف اتبعتمونا وأطعتمونا؟.
(بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ).
في اتباعكم بما اتبعتموه.
أو أن يكون قوله : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) ، أي : لو لا تلبيسكم علينا وتمويهكم أن الرسل كذبة ، وأنهم سحرة فيما يقولون ويدعون ، وأنهم يفترون على الله ـ وإلا لكنا مؤمنين.
والثاني : لو لا منعكم إيانا عن النظر والتفكر في أمورهم ، والتأمل في الحجج والآيات لكنا مؤمنين ؛ هذا قول الأتباع للرؤساء.
ثم أجاب لهم الرؤساء فقالوا : (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) ، يقولون ـ والله أعلم ـ : إن صددناكم ومنعناكم عن اتباعهم ظاهرا وعلانية ؛ فمتى منعناكم سرّا من غير أن نطلع ونعلم نحن بذلك.
أو ما ذكرنا من قوله : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) [المؤمنون : ٣٤] ،