وقد عرفتم أنا بشر مثلكم فأطعتمونا وتركتم طاعة الرسل ؛ لأنهم بشر ؛ فأجاب لهم الأتباع فقالوا : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، بل بمكركم إيانا ، وقولكم في الليل والنهار : إنهم كذبة سحرة ، وخداعكم إيانا ، وإنهم بشر مثلكم ؛ تركنا اتباعهم ؛ (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً).
أو يقولون : بل مكركم في الليل والنهار (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) ، أي : من تخويفكم إيانا وتهييبكم لنا من الأخذ على البغتة والغفلة ـ تركنا اتباعهم في السر إذا ظهر وبلغكم الخبر به.
هذه مناظرات أهل الكفر فيما بينهم يومئذ ، وردّ بعضهم على بعض ، ولعن بعضهم على بعض ؛ يذكرها في الدنيا ، ليلزمهم الحجة ، وألا يقولوا يومئذ : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢].
فإن قيل : إنهم كانوا لا يؤمنون بهذا القرآن ولا بالبعث ؛ فكيف يلزمهم ذلك ، وهم لا يستمعون له؟!.
قيل : إنهم قد مكنوا من الاستمتاع والنظر فيه ؛ فيلزمهم الحجة ، وإن لم يستمعوا له ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ).
قال بعضهم : أسروا الرؤساء الندامة ؛ بصرف الأتباع وصرف أنفسهم عن دين الله واتباع الرسل لما رأوا العذاب.
وقيل : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) : الأتباع والرؤساء جميعا.
وقوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) ، قال [بعضهم] : من الإسرار والإخفاء ، أخفى بعضهم من بعض.
وقال بعضهم : أخفى الكفرة الندامة عن المؤمنين.
وقال القتبي (١) : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) ، أي : أظهروا ، وهو من الأضداد ، يقال : أسررت الشيء : أخفيته وأظهرته.
وأما غيره من أهل التأويل فإنهم قالوا : هو من الإخفاء.
وقوله : (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا).
الأغلال : جماعة الغل : وهو ما يجعل في اليد ، ثم يشد اليد إلى العنق.
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن (٣٥٧).