(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ).
وهو كقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ ...) الآية [غافر : ٨٤] ؛ وكقول فرعون حين أدركه الغرق : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) [يونس : ٩٠] ، ونحوه.
وقوله : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ).
قال بعضهم (١) : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أنهم سألوا الرجعة والرد أن ينالوه من مكان بعيد ؛ قالوا : من الآخرة إلى الدنيا.
وقال بعضهم : أي : لا سبيل لهم إلى الإيمان في ذلك الوقت ، وقد كفروا به من قبل في حال الدعة والرخاء فلم يؤمنوا.
وقال بعضهم : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، أي : من حيث لا ينال ولا يكون ؛ فذلك البعيد ؛ كقول الله : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤] ، أي : من حيث لا يكون أبدا ليس على إرادة حقيقة المكان.
وقتادة يقول : هو عند الموت وعند نزول العذاب بهم ، ليس من أحد بلغ ذلك الوقت إلا وهو يؤمن ويتمنى الإيمان لكن لا ينفع ، كقوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها ...) الآية [الأنعام : ١٥٨] على ما ذكر.
وقوله : (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ).
قال بعضهم : معناه ـ والله أعلم ـ : وذلك أنهم كانوا في الدنيا يشكون في الآخرة ، ويكفرون بالغيب ، ويرجمون بالظن.
وقال بعضهم : (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) ، أي : يتكلمون بالإيمان من مكان تباعد عنهم ، فلا يقبل منهم ، وقد غاب عنهم الإيمان عند نزول العذاب ، فلم يقدروا عليه ، (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) ، من قبول التوبة والإيمان عند نزول العذاب بهم ، أو عند معاينتهم إياه ، كما فعل بأشياعهم من قبل ، يقول : كما عذب أوائلهم من الأمم الخالية من قبل هؤلاء ؛ لأنهم كانوا في شك من العذاب أو البعث والقيامة مريب.
وقال بعضهم (٢) : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) من أهل أو مال أو زهرة.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير (٢٨٩٠١ ، ٢٨٩٠٣) وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٥٤) وهو قول مجاهد أيضا.
(٢) قاله مجاهد أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير (٢٨٩١٩) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٥٤).