للمتقين لا معنى له أن يطلبوا لأنفسهم الإمامة ، ولكن على الوجه الذي ذكرنا ، والله أعلم.
ثم أخبر عن جزائهم في الآخرة لعملهم في الدنيا وصبرهم على ما أمروا ، فقال : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا) ، والغرفة : هي أعلى المنازل وأشرفها ؛ أخبر أنهم يجزون ذلك ويكونون فيها.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : أولئك يجزون الجنة بما عملوا ، فجائز أن يكون الغرفة المذكورة في الآية كناية عن الجنة ؛ يدل له حرف ابن مسعود.
وجائز أن يراد به نفس الغرفة ؛ وهو لارتفاعها وعلوها على غيرها من المنازل ، وذلك مما يختار الكون فيها في بعض الأوقات في الدنيا ، والناس يرغبون فيها لإشرافها وارتفاعها على غيرها ؛ فرغبهم بذلك في الآخرة.
وقوله : (وَيُلَقَّوْنَ) فيها بالتخفيف والتشديد ، (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) أي : يلقاهم الملائكة بالتحية والسلام ؛ كقوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) ، وقوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ).
أو يلقى بعضهم بعضا بالتحية والسلام ، ويحيي بعضهم بعضا ، ويسلم بعضهم على بعض.
وقوله : (خالِدِينَ فِيها) : دائمين.
(حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) : تأويله ـ والله أعلم ـ أي : حسنت لهم الجنة مستقرا ومقاما ؛ حتى لا يملوا فيها ولا يسأموا ، ولا تأخذهم الوحشة والكآبة ؛ كنعيم الدنيا يمل ويسأم عند الكثرة وطول المقام.
وقوله : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) : قال بعضهم (١) : (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ) أي : ما يعتد بكم ربي لو لا دعاؤه إياكم إلى التوحيد لتوحدوه وتطيعوه.
وقال بعضهم : (ما يَعْبَؤُا) أي : ما يصنع بكم ربي.
وتأويله ـ والله أعلم ـ أي : ما يصنع ربي بعذابكم إن شكرتم وآمنتم.
وقوله : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) : اختلف فيه ؛ قال بعضهم (٢) :
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٦٥٦٩) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ١٥١).
(٢) قاله ابن مسعود ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٥٧٣) ، وعن أبي بن كعب (٢٦٥٧٥) ، وإبراهيم (٢٦٥٧٦) ، ومجاهد (٢٦٥٧٧) وغيرهم. وانظر : الدر المنثور (٥ / ١٥١).