وقوله : (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ).
أي : (لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) بما به مصالحهم ، أو (لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) ، أي : على علم وبصيرة منه بتكذيب القوم رسلهم بعث الرسل إليهم لا عن جهل منه بذلك ، وذلك لا يخرجه عن الحكمة كما قال بعض الملاحدة : إن ليس بحكيم من بعث الرسل إلى من يعلم أنه يكذبه ويرد رسالته ، فهذا لو كان بعث الرسل لحاجة المرسل ولمنفعته يكون إرساله وبعثه إلى من يعلم أنه يكذبه ويردّ رسالته [عبثا] ، فأمّا الله ـ سبحانه وتعالى ـ يتعالى عن أن يرسل الرسل لحاجة له أو لمنفعة بل لحاجة المبعوث إليه والمرسل [إليه] ؛ فلم يخرج علمه برده وتكذيبه عن الحكمة ، والتوفيق بالله.
أو أن يكون قوله : (لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) يخرج عن الوعيد ، أي : عالم بأحوالهم وأفعالهم ؛ ليكونوا أبدا على حذر ومراقبة ، والله أعلم.
وقوله : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ).
اختلف فيه :
قال بعضهم : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) هو ممن أخبر أنه اصطفاه للهدى من متبعي محمد ، وهم أصحاب الكبائر في قول بعض.
وقال بعضهم : هم أصحاب الصغائر.
وقال بعضهم : هم أصحاب الصغائر والكبائر جميعا.
ومنهم من يقول : هو في الناس جميعا المتبع له وغير المتبع.
ثم اختلف في قوله : (ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) :
قال بعضهم (١) : هو المنافق الذي أظهر الموافقة لرسوله وأضمر الخلاف له.
وقال بعضهم : هم اليهود والنصارى ، فقد آمنوا قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به.
وقال بعضهم (٢) : هم المشركون وقد أقسموا أنه لو جاءهم نذير : (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) [فاطر : ٤٢].
فهؤلاء كلهم في النار ، وما ذكر من الاصطفاء والاختيار على قول هؤلاء يكون لرسول الله ؛ حيث بعث إليهم ؛ ليدعوهم إلى توحيد الله.
والأشبه أن يكون قوله : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) من أمته من متبعي الرسول ما روي في
__________________
(١) قاله الحسن أخرجه ابن جرير (٢٩٠٠٦ ، ٢٩٠٠٧) وعبد بن حميد والبيهقي عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٧٤) وهو قول قتادة وابن زيد وغيرهما.
(٢) أخرجه ابن مردويه عن عمر مرفوعا قال : هو الكافر ، انظر الدر المنثور (٥ / ٤٧٤).