الخبر عن أبي الدرداء رضي الله عنه ـ إن ثبت ـ قال : «تلا رسول الله هذه الآية فقال : أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة ، وأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يظن أنه لن ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة» ، ثم قال رسول الله : وهم الذين قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ...)(١) الآية [فاطر : ٣٤]. وكذلك روي عن أنس (٢) وعائشة (٣) عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن ثبت عنه فهو تأويل الآية ، وتفسير الظالم من أهل التوحيد والملة.
والمقتصد : قال بعضهم : هو الذي يخلط عملا صالحا بعمل سيئ ؛ كقوله : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) [التوبة : ١٠٢].
وقال بعضهم : هو الذي يقوم بأداء الفرائض والأركان وأما غيره فلا.
والسابق يخرج على وجهين :
أحدهما : سابق بالخيرات كلها لا تقصير فيه ولا نقصان.
أو سابق بالخيرات فيه تقصير ونقصان ، وقد ذكرنا هؤلاء الفرق الثلاثة في غير موضع : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ...) الآية [التوبة : ١٠٠] ، ثم قال : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) [التوبة : ١٠٢] (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) [التوبة : ١٠٦] ، فالذين اعترفوا بذنوبهم هم المقتصد ، والآخرون هم الظالم لنفسه.
وقال في موضع آخر : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة : ١٠ ـ ١٢] ، وقال : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ. فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) [الواقعة : ٢٧ ، ٢٨] إلى آخر ما ذكر ، وقال : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) [الواقعة : ٤١] ـ ففي ظاهر هذا أن أصحاب الشمال المكذبون ؛ حيث ذكر في آخر هذه السورة الفرق الثلاثة حيث قال : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ* وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) [الواقعة : ٨٨ ـ ٩٢] ، ففي ظاهر هذا أن الظالم لنفسه هو المكذب والكافر في قوله : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ) [الواقعة : ٤١] في ظاهر ما ذكر في سورة التوبة أنه من أهل التوحيد حيث
__________________
(١) أخرجه الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي كما في الدر المنثور (٥ / ٤٧٢).
(٢) أخرجه ابن النجار عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له» ، انظر : الدر المنثور (٥ / ٤٧٣).
(٣) أخرجه الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة ابن صهبان عنهما موقوفا كما في الدر المنثور (٥ / ٤٧٢).