(وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً ...) الآية.
أي : لا يزيد كفرهم بالله وبرسوله وعبادتهم الأصنام إلا مقتا وخسارا ؛ لأنهم كانوا يعبدونها رجاء أن تشفع لهم يوم القيامة ، ورجاء أن تقرب عبادتهم إلى الله زلفى ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : لا يزيد ذلك لهم إلا مقتا من ربهم وخسارا.
أو يكون أعمالهم التي عملوا في هذه الدنيا من صلة الأرحام والقرب التي رجوا منها الربح والنفع في الآخرة لا يزيد ذلك لهم إلا مقتا وخسارا ، والله أعلم.
وقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ).
ظاهر قوله : (أَرُونِي) أمر ، لكنه يخرج على وجهين :
أحدهما : على الإعجاز ، أي : يعجز ولا يقدر ما تعبدون من دونه خلق السموات والأرض ، ولا إشراكه في خلق السموات ، ولا إنزال كتاب من السماء ؛ ليأمرهم بذلك ، بل الله هو الخالق لذلك كله وهو القادر عليه ، فكيف صرفتم العبادة عنه والألوهية إلى من هو عاجز عن ذلك كله؟!
والثاني : على التنبيه والتعيير لهم والتسفيه لأحلامهم ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : إنكم تعلمون أن الأصنام التي تعبدونها دون الله وتسمونها : آلهة لم يخلقوا شيئا مما ذكر ، ولا لهم شرك في ذلك ولا لكم كتاب يبيح لكم ذلك ويأذن لكم ، وتعلمون أن الله هو الفاعل لذلك كله حيث قال : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] ، ولا لهم كتاب في ذلك ؛ لأن الكتاب جهة وصوله إليه الرسول ، وأنتم لا تؤمنون بالرسول ، فكيف عبدتموها وتركتم عبادة من تعلمون أنه الفاعل لذلك والقادر عليه؟!
وقوله : (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ).
يحتمل جواهر الأرض نفسها ، ويحتمل الخارج منها مما به معاشهم وقوامهم ؛ وكذلك قوله : (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) يحتمل في جواهرها ، ويحتمل ما ينزل عنها مما به معاشهم وأرزاقهم.
وقوله : (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) أي : على حجة وبيان منه.
وقوله : (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً).
يحتمل وعدهم الذي ذكر لبعضهم بعضا ما قالت القادة منهم والرؤساء للأتباع : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وما لبسوا هم على الأتباع من أمر الكتاب والرسول : هو ساحر كذاب ، وأنه مفتر ، وأمثال ذلك مما يكثر عدده ، فذلك كله منهم تغرير للأتباع.