بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً)(٤٥)
وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ).
هو قسمهم بالله ، ومعناه ـ والله أعلم ـ : أن العرب كانت من عادتهم أنهم كانوا يحلفون بالآباء والطواغيت ، لا يحلفون بالله إلا فيما عظم أمره ، وجل قدره ؛ تأكيدا لذلك الأمر ؛ لذلك كان قسمهم بالله جهد أيمانهم ، وقد ذكرنا معنى جهد الأيمان فيما تقدم.
وقوله : (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) قيل : رسول (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ).
فيه دلالة : أنهم قد وقعت لهم الحاجة ، ومستهم الضرورة إلى رسول يبين لهم أمر الدين ومصالحهم ، وما لهم ، وما عليهم ، حيث أقسموا وعهدوا أنه لو جاءهم نذير لاتبعوه واقتدوا به ، ثم تركهم لذلك العهد ؛ لما لم يروه أهلا لذلك ؛ لما كان هو دونهم في أمر الدنيا ؛ استكبارا منهم عليه ؛ ولذلك قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] وإن تركوا أتباعهم نقضوا عهدهم لما رأوا مذاهب الناس مختلفة ، فظنوا أن الاختلاف يرفع من بينهم به ، فإن لم يرتفع تركوا اتباعه ، أو لمعنى آخر لا نعلمه ، والله أعلم.
وقوله : (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ).
قال بعضهم : يعنون : اليهود والنصارى.
وجائز أن يكونوا أرادوا بذلك الأمم جميعا ، لكنهم لم يروا الحق إلا لواحدة منها ، فقالوا : (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) ، والله أعلم.
وقوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) : استكبارا في الأرض لما ذكرنا.
وقوله : (وَمَكْرَ السَّيِّئِ).
يحتمل مكرهم : ما مكروا هم برسول الله من أنواع المكر حين هموا بقتله وإخراجه ؛ كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ...) الآية [الأنفال : ٣٠].
ويحتمل أيضا أنه لما خرج ودعا الناس إلى توحيد الله ، أقعدوا على الطرق والمراصد ناسا يقولون لمن قصد رسول الله : إنه ساحر ، وإنه كذاب ، وإنه مجنون ؛ يصدون الناس بذلك عنه ، فذلك كيدهم ومكرهم به ، وقد كان منهم برسول الله من أنواع المكر سوى ذلك مما لا يحصى.
وقوله : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
هو في الدنيا من أنواع العذاب والقتل الذي نزل بهم ، ويحتمل أن يكون ذلك في الآخرة ، والله أعلم.