وقوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ).
قال بعضهم : ما ينظرون إلا سنته في الأولين ، وسنته في الأولين الاستئصال والإهلاك عند العناد والمكابرة.
وقال بعضهم : ما ينظرون بإيمانهم إلا سنة الأولين : الإيمان عند معاينتهم العذاب ، وإن كان لا يقبل ولا ينفعهم ذلك ؛ كقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ ...) الآية [غافر : ٨٤].
وقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً).
هذا يحتمل وجوها :
أحدها : (لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ) : وهي الاستئصال عند العناد والمكابرة (تَحْوِيلاً) وإن اختلفت جهة الهلاك والاستئصال ؛ كقوله : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) [التوبة : ٣٠] ، وقوله : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [البقرة : ١١٨] لا شك أن نفس القول منهم مختلف في الكفر وسببه متفرق ، ثم أخبر أن قول هؤلاء ضاهى قول أولئك ، وشابهت قلوب بعض بعضا ، وإن كان سبب ذلك وجهة الكفر مختلفا ؛ فعلى ذلك سنته لا تحول ولا تبدّل وهي الاستئصال ، وإن كان جهة ذلك وسببه مختلفا.
والثاني : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ) التي سن فيهم وحكم مدفعا ولا رادّا ، أي : لن يجدوا إلى دفع ما سنّ فيهم وحكم من العذاب والهلاك [دافعا] ولا رادّا ؛ كقوله : (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً).
والثالث : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ) وهي إيمانهم الذي يؤمنون عند معاينتهم العذاب وعند نزوله بهم (تَحْوِيلاً) و (تَبْدِيلاً) ، أي : يؤمنون لا محالة ولكن لا ينفعهم ذلك في ذلك الوقت.
والرابع : أن كل سنّة سنها في كل قوم وكل أمة وإن اختلفت ، لن تجد لذلك تحويلا ولا تبديلا ، والله أعلم.
وقوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
هذا يخرج على وجوه :
أحدها : قد ساروا في الأرض ، ونظروا إلى ما حل بأولئك بالتكذيب والعناد ، لكن لم يتعظوا بهم ، ولم ينفعهم ذلك.
والثاني : على الأمر : أن سيروا في الأرض ، وانظروا ما الذي نزل بأولئك؟ ومم نزل؟ واتعظوا بهم ، وامتنعوا عن مثل صنيعهم.