(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) [الزخرف : ٣٦] وهو من الإعراض.
وفي قوله : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) وجهان من الاستدلال على المعتزلة لقوله : (فَأَغْشَيْناهُمْ) أضاف إلى نفسه وإن كان منهم صنع ، ويجوز أن يستدل بخلق أفعالهم منهم.
وقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) : ومن لم يتبع ، (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ) : ومن لم يخش.
أو إنما ينتفع بالذكر من اتبع الذكر وخشي الرحمن ، فأما من لم يتبع الذكر ولم يخش الرحمن فلا ينتفع.
أو أن يكون فيه إخبار بإنذاره من اتبع الذكر ، وليس فيه نفي عن إنذار من لم يتبع الذكر ولا تخصيص منه بالإنذار أحد الفريقين دون الآخر ، والله أعلم.
والذكر يحتمل القرآن ، ويحتمل غيره من الذكرى ؛ كقوله : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٥].
وقوله : (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ).
بالغيب : بالآثار والأخبار التي انتهت إليهم من غير مشاهدة وقعت لهم ، أو بالغيب بما رأوه من آثار سلطانه وقدرته هابوه وخشوا عذابه ونقمته ، والله أعلم.
وقوله : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ).
يحتمل البشارة بالمغفرة عما سلف من الذنوب والإجرام إذا رجعوا عنها ، أو عن تقصير كان منهم في الفعل في خلال ذلك ، وإن اعتقدوا في الجملة ألا يخالفوا ربهم في فعل ولا في قول ؛ إذ كل مؤمن يعتقد في أصل إيمانه ترك مخالفة الرب في كل الأحوال ، وإن تخلل في بعض أحواله تقصيرا ومخالفة الرب بغلبة شهوة أو طمع في عفوه ورحمته.
(وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) قيل : حسن ، ويحتمل تسميته : كريما ؛ لما يكرم كل من نال ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى).
كأنه ـ والله أعلم ـ يذكر هذا ليس في موضع الاحتجاج عليهم ، ولكن على الإخبار أنه هو محييهم إذا ماتوا.
وقوله : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ).
قال عامة أهل التأويل (١) : نكتب ما قدموا وآثارهم و [ما] أسلفوا في حياتهم وعملوه ،
__________________
(١) قاله سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٨٩) ، وهو قول مجاهد.