معقول ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من قوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) ، (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ...) إلى آخر ما ذكر في الآخرة ، أي : سنجعل لهم في الآخرة ذلك.
ويحتمل أن يكون فعل ذلك لهم في الدنيا من قصدهم برسول الله ما قصدوا ، حتى لم يجدوا السبيل إليه لا من بين يديه ولا من خلفه ولا من جهة من الجهات.
أو أن يكون قوله : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) على التمثيل ، أي : جعلنا بينهم وبين الحق سدّا من أمام ومن خلف ، فأغشينا أبصارهم فلا يبصرون الحق أبدا ، وذلك في القرآن كثير ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً).
إن الغل يكون طرفه في العنق ، وطرفه الآخر في اليد ؛ فتكون اليد اليمنى مغلولة إلى العنق ، وعلى ذلك ذكر في حرف ابن مسعود أنه قرأ : إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا (١) ، وفي بعض الحروف : فى أيديهم أغلالا.
وقوله : (فَهُمْ مُقْمَحُونَ).
قال بعضهم (٢) : رافعو رءوسهم إلى السماء ؛ لأنه كذلك يكون إذا غل عنق المرء إلى الذقن لا يستطيع أن ينظر في الأرض ، وكذلك قيل للإبل إذا شربت الماء : أقمحت ، أي : رفعت رأسها (٣). وقال بعضهم : الإقماح : هو غض البصر.
وقال أبو عوسجة والقتبي (٤) : المقمح : الذي يرفع رأسه ويغض بصره ، ويقال : غاضّ طرفه بعد رفع رأسه ، جمعت أيديهم إلى أعناقهم.
وقوله : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ).
قد قرئ بالرفع والنصب والخفض جميعا : فمن قرأها بالرفع فهو على الابتداء ، ومن قرأها بالخفض فهو على النعت ؛ كقوله : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ، ومن قرأ بالنصب فعلى القطع ؛ لأن الكلام قد تم دونه.
وقوله : (فَأَغْشَيْناهُمْ).
بالغين والعين جميعا : فمن قرأ بالغين فهو من الغشاوة ، ومن قرأ بالعين فهو من قوله :
__________________
(١) أخرج هذه القراءة عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٨٦).
(٢) قاله مجاهد أخرجه عبد بن حميد وابن جرير (٢٩٠٥٧) ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٨٦).
(٣) ثبت في حاشية أ : يقال : أقمحت الإبل ، إذا رفعت رأسها من الشراب ، شرح.
(٤) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٦٣).