والعلم ؛ لأنه إذا كان له ألا يعلم إلا بالأجر كان له ألا يعلم بكل أجر ، ففي ذلك إبطال الدّين وجعل الرخصة لهم في ترك ذلك ، وذلك سمج قبيح ، والله أعلم.
وقوله : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
يخرج على وجهين :
أحدهما : على الاحتجاج عليهم بعد سؤال كان من أولئك له في الرجوع إلى عبادة من يعبدونه دون الله وترك عبادة الله ، فقال : إنكم تعبدون هذه الأصنام رجاء أن يقربكم ذلك إلى الله زلفى ، وما لي [لا] أعبد الذي ترجون أنتم الزلفى والقربة منه؟!
والثاني : على التذكير والتنبيه لهم : أنتم تعلمون أن الذي فطرنا وخلقنا هو المستحق للعبادة لا من لم يفطر ولم يخلق ، ثم تعلمون أن الله هو فطرنا وخلقنا [لا] الأصنام التي تعبدونها ، وما لي لا أعبد الذي فطرنا وأترك الذي لم يفطرنا؟! والله أعلم.
وقوله : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ).
يقول : أأتخذ من دون الله معبودا لو أراد الله بي ضرّا لم يملك ذلك المعبود دفع ذلك عني ، ولو نزل بي شدة أو بلاء منه ، لم يقدر استنقاذي منه ، ولو طلبت منه جرّ نفع لم يقدر على جلبه إلىّ ، وأترك عبادة من أعلم أن ذلك كله منه ، وهو المالك لذلك كله : من جرّ نفع ، ودفع ضر وبلاء ، وفي الحكمة : العبادة لمن يملك ذلك كله لا لمن لا يملك ، وبالله التوفيق.
وقوله : (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
أي : لو فعلت ذلك فإذن كنت في ضلال مبين ، فذكر أنه لما قال لهم ذلك أمر بقتله ، فعند ذلك قال : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) يحتمل قوله : (فَاسْمَعُونِ) أي : أجيبوني في قولي : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ...) الآية.
وقال بعضهم : (فَاسْمَعُونِ) ، أي : اشهدوا لي.
ويحتمل قوله : (فَاسْمَعُونِ) حقيقة السماع ، أي : اسمعوا قولي وإيماني ، لا يمنعني عنه ما تخوفونني ، والله أعلم.
وقوله : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ)(١).
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : «ادخل الجنة» ، وقد يذكر الماضي ويراد به الاستقبال ؛ كقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ...) الآية ، شرح.