متصلة بمنافع الخلق وحوائجهم بأسباب أنشأها لهم وأعلمهم [بها] ؛ ليصلوا إلى تلك المنافع والحوائج ؛ فدل أنه فعل واحد ؛ إذ لو كان فعل عدد لكان في ذلك تمانع على ما ذكرنا ، وأنه عالم بذاته مدبر ؛ ولذلك قال : (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي : ذلك الذي ذكر كله تقدير الذي لا يعجزه شيء ، والعليم الذي لا يخفى عليه شيء ؛ وبالله القوة.
ثم قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها).
وفي بعض الحروف : والشمس تجري لا مستقر لها فعلى هذا القول أي : تجري أبدا لا مستقر لها ولا قرار.
ومن قرأ : (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) : أي : لنهاية لها وغاية.
ثم اختلف في تلك النهاية : فمنهم من يقول : نهايتها وغايتها هو ذهاب هذا العالم وانقضاؤه وتبديل عالم آخر ؛ كقوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١] ، وقوله : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) [الرحمن : ٥] قدر نهايتها ، ومنهم من يقول : مستقرها : هو نزولها في كل يوم في منزل ، لما ذكر أن لها منزلا ، تنزل كل يوم في منزل ، ثم تطلع من مكان آخر ؛ وكذلك قال : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ).
ومنهم من يقول : نهايتها ما ذكر في الخبر : «أنها إذا غربت ترفع إلى السماء السابعة ، تخرّ لله ـ تعالى ـ ساجدة تحت العرش ، ثم يؤذن لها بالطلوع» (١) ؛ ذكر في الخبر عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لما أذن لها بالطلوع والارتفاع يأتيها جبريل بحلة من ضوء الشمس ، على مقدار ساعات من النهار في طوله في الصيف وقصره في الشتاء ، وما بين ذلك في الخريف والربيع ، فتلبس تلك الحلة ، كما يلبس أحدكم ثوبه» ، وذكر في القمر كذلك من الحبس والسجود لله ، إلا أنه ذكر فيه : «أن جبريل يأتيه بحلة من نور العرش» ، وفي بعض الأخبار : «بكف من ضوء العرش ، وبكفّ من نوره» ، فيلبس تلك الحلة ـ أي : ذلك النور والضوء ـ كما يلبس أحدكم ثوبه ، فذلك قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) [يونس : ٥] ذكر للشمس ضياء ، وللقمر نورا كما ذكر في الخبر.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ٤٣٩) كتاب بدء الخلق : باب صفة الشمس والقمر (٢١٩٩) ، ومسلم (١ / ١٣٨) كتاب الإيمان : باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (٢٥٠ / ١٥٩) ، والترمذي (٤ / ٢١٨٦) ، أبواب الفتن : باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها (٢١٨٦) ، وأبو داود (٢ / ٤٣٣) كتاب الحروف والقراءات (٤٠٠٢) عن أبي ذر ، قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : «أتدري أين تذهب؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد ، فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، فيقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ...) الآية».