وقوله : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ).
أي : داخلون في الظلمة ، يقال : أظلم فلان : إذا دخل في الظلمة.
ثم سورة يس نزلت كلها بمكة محاجة أهل مكة في إنكارهم التوحيد ، وإنكارهم البعث والقدرة على الإحياء بعد ما صاروا رمادا ، وإنكارهم الرسالة ، وهم كانوا طبقات على هذه المذاهب المختلفة : منهم من أنكر التوحيد ، ومنهم من أنكر البعث ، ومنهم من كان ينكر الرسالة ونحوها ، فبين الله ـ تعالى ـ في هذه السورة وذكر فيها الحجج على منكري التوحيد وعلى منكري البعث وعلى منكري الرسالة ، وهو ما ذكر من الآيات ، من ذلك قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) ، وفيه دلالة القدرة على البعث على [ما] بينا فيما تقدم.
وفى قوله : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) دلالة الوحدانية له ؛ لأنه أخرج ما ذكر من النبات والجنات والأعناب والنخيل إلى آخر ما ذكر من الأرض لمنافع من السماء تتصل بالأرض ؛ فدل اتصال منافع السماء بمنافع الأرض على بعد ما بينهما على أن منشئهما ومدبرهما واحد ؛ إذ لو كانا فعل عدد لكان فيه تدافع وتمانع على ما ذكرنا فيما تقدم من فعل ذوي العدد من التغالب والتدافع والتمانع في العرف ، والله أعلم.
وما ذكر أيضا من الليل والنهار على تضادهما واختلافهما في رأي العين وسلخ أحدهما من الآخر وإدخاله في الآخر دلالة الوحدانية ، ودلالة البعث ، ودلالة العلم الذاتي والتدبير الأزلي :
أما دلالة الوحدانية فهو ما جمع في الليل والنهار على تضادهما واختلافهما في منافع الخلق وحوائجهم وأنهما شكلان ؛ فدل ذلك على أنهما فعل واحد لا عدد ؛ [لأنه لو كان فعل عدد] لكان فيه تدافع وتمانع على ما ذكرنا من منع كل واحد منهما الآخر ودفعه عن إنفاذ أمره في ذلك واتساق تدبيره ، فدل الدوام على ذلك واتساق الأمر على سنن واحد ومجرى واحد ـ أنه فعل واحد.
وفيه دلالة البعث لما ذكرنا من ذهاب أحدهما وإقرار الآخر بعد ذهاب آثار كل واحد منهما بكليته ، ودل إجراؤهما مجرى واحدا من أوّل إلى آخر ما ينتهي ذلك وينتهي العالم على تقدير منافعهم وحوائجهم أنه عالم بذاته مدبر بنفسه ، وأن له علما ذاتيّا وتدبيرا أزليّا لا مكتسبا مستفادا ، وعلى ذلك ما ذكر من جريان الشمس والقمر ، وتسخيرهما بمنافع هذا العالم وحوائجهم ، وقطعهما في يوم وليلة واحدة مسيرة خمسمائة عام ؛ فدل ذلك كله على أنه واحد لا شريك [له] قادر لا يعجزه شيء ، وعالم مدبر لا يخفى عليه شيء ، وعلى ذلك ما ذكر في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [يس : ٤١] دلالة الوحدانية والقدرة والعلم والتدبير ؛ من حيث جعل أطراف الأرض كلها على تباعد ما بينها