وقوله : (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا).
من الناس من ينكر عذاب القبر بهذه الآية يقول : المرقد : موضع الراحة ، والراقد هو الذي يكون في راحة ، فلو كان لهم عذاب ، أو كانوا في عذاب ، لم يكونوا في رقدة ولا راحة ، دل أنه لا يكون.
ومنهم من يقول : يكون في القبر عذاب ، إلا أنهم لما عاينوا عذاب الآخرة ، صار عذاب القبر لهم كالرقاد عند عذاب الآخرة.
ومنهم من يقول : ينامون نومة قبل البعث ، ثم يبعثون ، ومثل هذا.
وجائز أن يكون النفس التي تخرج عند النوم تلك النفس في حال الموت ، فتجد تلك ألم ذلك كما تجد النفس التي تخرج من النائم ألم عذاب يصيبه ، وتجد لذة أيضا إذا كانت لذة ، وترى في النوم أهوالا وأفزاعا وذلك معروف ؛ فعلى ذلك هؤلاء الكفرة يعذبون بما ذكرنا ، فإذا بعثوا قالوا عند ذلك : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ، والمرقد : هو الموضع الذي ينام فيه.
أو أن يكونوا في عذاب ـ أعني : في القبور ـ لكنهم إذا عاينوا عذاب الآخرة وشاهدوا أهوالها ، هان ذلك العذاب الذي كان لهم في القبر وسهل عند عذاب الآخرة ؛ فصار ذلك كالرقاد لهم عند عذاب الآخرة فقالوا عند ذلك : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ، والله أعلم بذلك.
وقوله : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
قال بعضهم (١) : هذا قول الملائكة لهم عن قولهم : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا).
وقال بعضهم (٢) : قول المؤمنين لهم عند قولهم الذي قالوا.
وجائز أن يكون ذلك أيضا قول أولئك الكفرة ، يقرون بالبعث عند معاينتهم البعث ، يقولون : هذا الذي وعد لنا المرسلون ، وقد صدقوا في ذلك ، ونحن كذبناهم فيه ، لكن لا ينفعهم تصديقهم إياهم بذلك في ذلك الوقت ، وهو كإيمانهم عند معاينتهم بأس الله ، وهو قوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] ؛ فعلى ذلك هؤلاء ، لكن لا ينفعهم.
وقوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً).
__________________
(١) قاله ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدر المنثور (٥ / ٥٠٠).
(٢) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩١٨٤) وهناد في الزهد ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥٠٠) ، وهو قول قتادة وابن أبي ليلى.