يحتمل على حقيقة الصيحة ، يجعل الله تعالى الصيحة علما للإحياء والبعث لا أن تكون الصيحة سببا للإحياء والبعث.
ويحتمل لا على حقيقة الصيحة ولكن على قدر الصيحة ؛ كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : ما كانت إلا قدر صيحة واحدة ـ أي : البعث ـ لكنه ذكر الصيحة ؛ لأن الصيحة أسرع شيء وأيسر على الخلق من غيره على ما ذكرنا في النفخ في الصور ؛ كقوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) [النحل : ٧٧] ذكر هذا ؛ لأنه أخف شيء على الخلق ، وأهونه عليهم ؛ فيعبر به عنه ويكنى بما ذكر ، ليعلموا خفة ذلك على الله ، وسهولته وهوانه ، وأنه ليس يثقل عليه شيء.
وقوله : (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ).
ذكر أن قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) في البعث ، فإذا كان ذلك في البعث فعند ذلك إحضارهم عند الله ، وأما الأول فإنما هو في الهلاك والموت.
وقوله : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً).
الظلم في اللغة : هو وضع الشيء في غير موضعه كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : اليوم لا توضع نفس في غير موضعها ، ولكن توضع على ما وضعها في الدنيا.
أو يكون الظلم عبارة عن النقصان ، كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : فاليوم لا تنقص نفس عما استوجبت وتوفى ؛ كقوله : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] أي : لم تنقص منه.
أو يقول : فاليوم لا يحمل على نفس ذنب غيرها ، ولا يوضع وزر غيرها ، بل يجزي [الله] كل نفس جزاء عملها ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ).
يخبر ـ والله أعلم ـ : عن شغل أهل الجنة أنهم وإن كانوا مشغولين في النعيم فإن ذلك الشغل يحجبهم عن غيرهم من الأشياء ، وكذلك جميع الخلائق أنهم إذا شغلوا في شيء حجبوا عن غيره ومنعوا ، فأما الله ـ سبحانه ـ فيتعالى عن أن يشغله شيء أو يحجبه شيء عن شيء.
ثم الاشتغال في الدنيا مما يضر أهلها ويؤذي ، فأخبر أن شغل أهل الجنة مما لا يضرهم ولا يؤذي ؛ حيث قال : (فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) ، قيل (١) : ناعمون بما هم فيه ، وقيل : معجبون في ذلك.
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٤ / ١٦).