يخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : عهد خلقة وبنية ؛ إذ قد جعل الله تعالى في خلقة كل أحد وبنيته ما يشهد على وحدانيته ، وجعل العبادة له ويصرفها عمّن دونه ، فنقضوا ذلك العهد وصرفوا العبادة إلى غيره والألوهية.
والثاني : ما أخذ عليهم من العهد على ألسن الرسل والأنبياء من الأمر والنهي.
والثالث : ما جعل فيهم من الحاجات والشهوات التي يحملهم قضاؤها من عنده على صرف العبادة إليه والشكر له على نعمائه ، وجعل الألوهية له ، ويمنعهم صرفها إلى غيره وجعلها لمن دونه ، فنقضوا ذلك كله وتركوه.
فإن قيل : ذكر عبادة الشيطان ، ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ولا يعبده ، بل كل يفرّ عن عبادته ويهرب منه ، لكنه يخرج على وجهين :
أحدهما : يحتمل أن يريد بالشيطان : المردة من الكفرة والأئمة منهم الذين صرفوهم عن عبادة الله ، سموا شيطانا ؛ لما بعدوا عن رحمة الله ؛ شطن ، أي : بعد ، كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام : ١١٢].
والثاني : نسب تلك العبادة إلى الشيطان وأضافها إليه ، وإن كانوا هم لا يقصدون بعبادتهم الشيطان ؛ لما بأمره يعبدون ما يعبدون من الأصنام ؛ فنسب إليه بالأمر ، أو لما كان منه بداية الأمر ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
عداوته لنا ظاهرة بينة في كل شيء ، حتى في المأكل والمشرب والملبس ؛ كقوله : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ...) الآية [الأعراف : ٢٠] ؛ إذ هو يريد أن يوقعنا في المهالك فهو عدوّ لنا.
وقوله : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).
أي : اعبدوني فإن عبادتي هي الصراط المستقيم.
وقوله : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً).
يحتمل قوله : (أَضَلَّ مِنْكُمْ) ، أي : أهلك ، وهو ما أهلك من القرون المتقدمة نحو عاد وثمود وقرونا غير ذلك ، والإضلال يكون الإهلاك في اللغة.
ويحتمل على حقيقة الإضلال عن الهدى.
ثم هو يخرج على وجهين :