أو يذكر أنه خلق لهم من الأنعام وذللها لهم وجعل لهم فيها من المنافع ما ذكرنا بلا شكر يلزمهم ، يتأدى على ذلك شكر ما أنعم عليهم على جهة ما لو كان على الأمر بالرؤية فيما خلق والنظر ، والله أعلم.
وقوله : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً).
يحتمل ما عملت أيدي الخلق من الزراعة والغرس وغير ذلك مما يعمله الخلق ، نسب ذلك إلى نفسه.
ويحتمل (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) ، أي : قوتنا (١) ؛ كقوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧] ، وقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] أي : بقوة ونحوه ، والله أعلم.
وقوله : (فَهُمْ لَها مالِكُونَ).
قال بعضهم : قادرون على الانتفاع بها والاستعمال لها ، يقول الرجل فيما له فيه حقيقة الملك : أنا غير مالك عليه إذا كان غير قادر على الانتفاع به ، ولا مالك على استعماله.
وقيل : (مالِكُونَ) ، أي : ضابطون قادرون على إمساكها ، يقال : فلان غير ضابط على إبله ودابته وهما واحد ، والله أعلم.
وقوله : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ* وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ).
يخبر عن أنواع ما جعل لهم من الأنعام وأنعم عليهم ؛ ليتأدى بذلك شكره ، والله أعلم.
وقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ).
يخبر عن سفههم وقلة بصرهم وفهمهم ؛ لاتخاذهم الأصنام آلهة وعبادتهم إياها ؛ رجاء النصر لهم ، وتركهم عبادة الله على وجود المعونة والنصر منه ، وجعله كل شيء لهم ، ثم يكون رجاؤهم بذلك ما قالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، وذلك في الآخرة.
ويحتمل رجاء النصر لهم بعبادتهم الأصنام في الدنيا في دفع ما ينزل بهم من البلايا والشدائد ؛ كقوله : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧].
ثم أخبر أن الأصنام التي يعبدونها وما رجوا منها لا يستطيعون نصرهم وما رجوا من شفاعتهم والنصر لهم ، وأخبر أن ما عبدوا دونه يصير أعداء لهم.
قال : (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ).
في الآخرة ؛ كقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) [مريم : ٨١] ؛ هذا على تأويل بعضهم من أهل التأويل يجعل الأصنام جندا عليهم وأعداء لهم على ما ذكرنا.
__________________
(١) في أ : قوّينا.