عليهم القيام به وما ليس ، و (مُبِينٌ) لمشركي العرب أنه رسول وأن هذا القرآن من عنده جاء به ، وكل كتب الله ذكر ومبين ورحمة ونور وشفاء على ما أخبر ، والله أعلم.
وقوله : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ).
قال بعضهم (١) : من كان عاقلا ، يقول : لينذر القرآن من له عقل حيّ فيؤمن ، (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) أي : السخطة على الكافرين في علم الله أنهم لا يؤمنون.
وقال بعضهم (٢) : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) ، أي : مؤمنا ؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ سمى المؤمن : حيا في غير آية ، والكافر ميتا.
ويحتمل قوله : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) أي : لتقع النذارة وتنفع من كان حيّا ، أي : مؤمنا على ما ذكرنا ، وإن كان ينذر الفريقين جميعا ؛ كقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) [يس : ١١] هو ينذر من اتبع الذكر ، ومن لم يتبع الذكر ، لكن النذارة إنما تقع وتنفع لمن اتبع الذكر وخشي الرحمن خاصة ؛ وكقوله : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) ، هو يذكر لهم جميعا لكن المنفعة للمؤمنين فعلى ذلك الأول.
ويحتمل قوله : (مَنْ كانَ) أي : من يطلب بحياته الفانية الحياة الدائمة ، (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) القول الذي قال : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١٩].
وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ).
قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع : أن قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) و (أَلَمْ تَرَ) [إبراهيم : ١٩] ، ونحوه أنه في الظاهر حرف استفهام ، لكنه من الله على الإيجاب والإلزام ؛ ثم هو يخرج على وجهين :
أحدهما : على الخبر أن قد رأوا ما خلق لهم من الأنعام وما ذكر.
والثاني : على الأمر على الرؤية والنظر فيما ذكر ، أي : فليروا.
فإن كان على الخبر أنهم قد رأوا ما خلق لهم من الأنعام ، فهلا تفكروا واعتبروا فيما خلق لهم من الأنعام وغيرها : أنه لم يخلق لهم ذلك عبثا باطلا ولكن لحكمة ، ولو لم يكن بعث على ما يقولون هم كان خلق ذلك عبثا باطلا؟!
أو أن يقول : إن من قدر على تصوير ما ذكر من الأنعام وغيره في الأرحام وتركيب ما ركب فيها من الأعضاء والجوارح في الظلمات ، لا يحتمل أن يخفى عليه شيء أو يعجزه ، أو يفعل ذلك على التدبير الذي فعل بلا حكمة.
__________________
(١) قاله الضحاك أخرجه ابن جرير (٢٩٢٣١) والبيهقي في الشعب عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥٠٦).
(٢) انظر : تفسير البغوي (٤ / ١٩).