أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)(٢٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا).
قيل (١) : هي السموات والأرض والجبال ، وقيل (٢) : الملائكة ، وأكثرهم قالوا : قوله ـ عزوجل ـ : (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) ، أي : السموات والأرض ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ...) الآية [غافر : ٥٧] ، يقول ـ والله أعلم ـ : سلهم أن خلقهم وإعادتهم أشدّ وأكبر وأعظم من خلق السماوات والأرض؟ وإذا أقررتم أنتم بقدرته على خلق السموات والأرض كيف أنكرتم قدرته على إعادتكم بعد ما متم ، وكنتم ترابا ورفاتا؟! والله أعلم.
وقوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ) و (سَلْهُمْ) [القلم : ٤٠] ونحو ذلك مما أمر الله ـ عزوجل ـ رسوله أن يسألهم ويستفتيهم يخرج من الله ـ عزوجل ـ على وجوه :
أحدها : على التقرير عندهم والتنبيه لهم.
أو على التعيير لهم والتوبيخ.
أو على التعليم حجة الحجاج والمناظرة فيما بينهم وبين خصومهم ، وهكذا كل سؤال واستفتاء كان من خبير عليم لمن دونه يخرج على هذه الوجوه ، وكل سؤال واستفتاء كان من الجهّال لخبير عليم يخرج على استرشاد وطلب الصواب.
وقوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ) و (سَلْهُمْ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ...) الآية [الزخرف : ٤٥] ، و (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٢١١] ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] و (قُلْ ...) كذا ـ هذا كله يخرج على التقرير والتنبيه ، وعلى تعليم الكل حجة الحجاج والمناظرة لا على الأمر ؛ لأنه لو كان [على] الأمر ، لكان لا يقول ذلك المأمور بالتبليغ : سل ، ولا قل ، ولا شيء من ذلك ، ولكن يبلغ إليه رسالته وأمره أنه يقول لكم : أن افعلوا كذا ولا تفعلوا ؛ فدل أن ذلك الأمر للكل في أمر أنفسهم : أن قولوا لهم ، وأن افعلوا بهم كذا ، والله أعلم.
وقوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ...) الآية.
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩٢٨٥) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥١٢).
(٢) قاله سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥١٢).