يقولون : إنكم تركتم الإيمان بأنفسكم وباختياركم لا إنا منعناكم منعا عنه.
وقالوا : (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ).
أي : ما كان لنا عليكم من حجة أو برهان ألزمناكم به ، بل أطعتمونا طوعا واستجبتم لنا فيما دعوناكم ، فهذه المناظرة والمجادلة فيما بينهم كمناظرة إبليس في موضع آخر حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) موعدي (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) [إبراهيم : ٢٢] أي : دعوتكم بلا حجة ولا برهان فاستجبتم لي ؛ فعلى ذلك يقول هؤلاء : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) باختياركم ترك الإيمان بلا سلطان ولا حجة كان عليكم ، وكمناظرة القادة مع الأتباع حيث قال : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) [الأعراف : ٣٩] ونحوه ، والله أعلم.
ويحتمل قوله : (قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) أي : من جهة القوة ، أي : إنكم على الحق وإنكم مؤمنون ونحو ذلك.
ويحتمل لا على حقيقة اليمين ، ولكن تأتوننا من كل جهة ؛ كقوله : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ ...) الآية [الأعراف : ١٧] ، أي : من كل جهة لا على حقيقة ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقد ذكرنا أن قوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أن قوله : (سُلْطانٍ) أي : لم يكن لاتباعكم إيانا وطاعتكم لنا حجة أو برهان أقمناه عليكم فيما دعوناكم إليه ، [وإنما كان] اتباعا من غير أن ألزمناكم ؛ فلا تلومونا ولكن لوموا أنفسكم.
(بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ).
أي : بطغيانكم اتبعتمونا لا بما ذكرتم ، والله أعلم.
ثم قالوا : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ).
يشبه أن يكون هذا قول الأكابر منهم والمتبوعين للأصاغر والأتباع منهم : أن حق علينا قول ربنا ؛ قال بعضهم (١) : أي : وجب علينا وعليكم عذاب ربنا.
ويشبه أن يكون القول الذي أخبروا أنه حق عليهم هو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩].
وقوله : (فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ).
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٤ / ٢٦).